20.57°القدس
20.33°رام الله
19.42°الخليل
25.57°غزة
20.57° القدس
رام الله20.33°
الخليل19.42°
غزة25.57°
الأحد 20 يوليو 2025
4.51جنيه إسترليني
4.74دينار أردني
0.07جنيه مصري
3.91يورو
3.36دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.51
دينار أردني4.74
جنيه مصري0.07
يورو3.91
دولار أمريكي3.36

خبر: جدران القدس.. "وكالة أنباء الانتفاضة"

جدران المدينة هي لسانها أيضاً، هكذا (كغيرها من مدن وبلدات ومخيمات فلسطين) أضافت القدس وظيفة أخرى لأسوارها ومبانيها التي تحمي تاريخ وإرث أهل المكان، جدرانها غدت صفحة تخاطب عبرها أبناء فلسطين والعالم حين تقفل نوافذ الإعلام أمامها أو تكاد.

لا بأس بـ"صحيفة" تُطبع على حجارة السور والبيت والمتجر كي تنقل حكاية الفلسطيني في مواجهة مُحتليه، وكما هو جدير بان يكون سلاحا بيد المقهورين، فالحجر يستطيع نقل الرسالة أيضاً.

هكذا انبثقت في انتفاضة الفلسطينيين الأولى فكرة الكتابة على الجدران، وغدت اقرب ما تكون لـ "وكالة أنباء الانتفاضة" أو لصحف بيد نشطاء الانتفاضة فلجأت لها الأحزاب كوسيلة لتبعث روح المقاومة بين المواطنين ولتنقل رسائل مختلفة لهم كإحدى أهم وأنجع الوسائل التي شاعت كبديل عن البيانات المطبوعة، التي حرص الاحتلال على منع نشرها ومحاربته امتلاك الفلسطينيين لوسائل الإعلام الاعتيادية الفاعلة.

الشعارات الجدارية وسيلة مقاومة

ويقول رئيس نادي بيت حنينا المقدسي حازم غرابلي، الذي كان شبلاً في الانتفاضة الأولى واعتقل وهو قاصر بتهمة الكتابة على الجدران ورفع العلم الفلسطيني "خلال الانتفاضة الأولى كانت البيوت الفلسطينية جزءا من العمل النضالي والحالة الجماهيرية، كان الناس يقاومون بأملاكهم وأموالهم وبيوتهم إلى جانب المشاركة الجماهيرية كانت سببا بانتشار الكتابة على الجدران كأداة مقاومة".

ويشير غرابلي إلى "أن الإمكانات الإعلانية كانت محدودة بسبب ممارسات الاحتلال، الذي كان يراقب المطابع، وعليه فان الكتابة على الجدران كانت أفضل وسيلة لتعبئة الجماهير".

وأضاف "الكتابة على الجدران لم تكن مكاناً للمناكفات والردح والانقسام، بل كانت أداة لتشجيع الناس على المشاركة الشعبية بالنضال وتشييع الشهداء ورفض الاحتلال وممارساته، أو الدعوة لإضراب ضد الاحتلال.. الخ".

أداة نضال

ويؤكد الكاتب والصحفي راسم عبيدات، وهو أسير سابق، أن "كتابة الشعار في الانتفاضة الأولى كانت من أهم وأبرز الوسائل النضالية للمقاومين وللفصائل من اجل التواصل مع الجماهير. لم يكن هناك وسائل اتصال اجتماعي أو فضاء إعلامي واسع كما هو اليوم".

ويضيف عبيدات "حرص الاحتلال على محاربة هذه الظاهرة النضالية، واعتبرها أداة رسمية تحرض على مقاومته وإنهاء وجوده، لذا كان لا يستهين بتاتاً بالكتابة على الحيطان".

أدبيات المقاومة..

وكانت الكتابة على الجدران تعبر عن توجهات القيادة الموحدة للانتفاضة ومواقفها إزاء الأحداث والقضايا المختلفة ، فلم يكن ابن "فتح" يعتدي على شعار كتبه أبناء "الشعبية"، لأن "أدبيات المقاومة" كانت تنظم العمل الوطني النضالي كما يقول عبيدات الذي قال "كانت الشعارات تكتب بشكل محترم لا يسيء للآخرين، حتى لو كانت تعبر عن موقف حزبي معين أو مغاير، كانت العلاقة بين الحركة الوطنية وأطرافها متماسكة وأفضل بكثير مما هي عليه اليوم".

أحكام إسرائيلية قاسية

وكان الاحتلال يحكم على من يُدان بكتابة الشعارات الجدارية من المقدسيين ما بين 8 شهور إلى 4 سنوات، وهو أمر بدأ يتلاشى تدريجياً في السنوات الأخيرة بسبب تغير نمط المقاومة، وانحسار الانتفاضة الشعبية العفوية التي كانت منتشرة بين أزقة المدينة.

وكانت سلطات الاحتلال تعتبر إقدام المقدسيين على كتابة الشعارات الجدارية بمثابة "خيانة"، بحكم أنهم "مواطنون في عاصمة إسرائيل"، لذا فإن الأحكام التي كانت تصدر ضدهم أعلى بكثير مقارنة بتلك التي تصدر ضد الفلسطينيين من أبناء المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية الأخرى.

ويعتقد الباحث في العلوم الاجتماعية وفلسفتها الدكتور خالد عودة الله، بأن استخدامات الكتابة والرسم على الجدران تعددت كفعل مقاوم، فالاستخدام الأول كوسيلة للتواصل الجماهيري تكمل عمل المنشور الورقي أو الإذاعة الثورية فتعلن عن الفعاليات والموقف السياسي وإرشادات عملية وغيرها.

وأضاف "الاستخدام الثاني كان لمقاومة سيطرة المستعمِر على المكان فهي تحدٍ لهذه السيطرة من خلال /تحرير المكان/ عبر الكتابة والرسم، أما الاستخدام الثالث فكان عبر /مساحة عرض/ للفن الثوري وللرسومات وللجداريات الشعبية".

وقال: "لم تخلُ هذه الممارسة من إشكاليات مثلها مثل كل الوسائل الدعائية مجهولة المنشأ، فكانت وسيلة لبث الدعاية المضادة للمقاومة من خلال الشائعات والتشهير، وفي مرحلة ما أصبحت وسيلة صراع داخلي أكثر من دورها كوسيلة مقاومة".

ويؤكد عودة الله: "يتضاءل دور هذه الوسيلة مع بروز تقنيات التواصل الرقمي والتلفزيوني والتواصل الاجتماعي، وصولا إلى تحول الجداريات إلى "فن مموّل غير مرتبط بالنضال الوطني الشعبي".

ويرى الباحث في علم الاجتماع عبد العزيز الصالحي، أن الكتابة على الجدران مرت في مرحلتين، الأولى "مرحلة تأسيس في بناء الوعي الجمعي، والمرحلة الثانية كانت في صهر وعي الإسرائيليين، بخصوص الوعي الجمعي الفلسطيني والعمل التنظيمي، فقد كانا على خط واحد، لكن العمل التنظيمي كان في مرحلة ما سريا للغاية، لكن في مرحلة إعادة بناء الوعي، أصبح وجود هذه الشعارات هاما للجمهور والتواصل معه، أما المرحلة اللاحقة، فقد تحولت لدلالة على أن المقاومة موجودة في كل زقاق يمكن أن يمر فيه الإسرائيلي، أو علامة على التواجد والبقاء من الرغم من القمع الإسرائيلي للوعي وللمقاومة الفلسطينية وتعبير عن التحدي لمحاولات الإلغاء التي مارسها الاحتلال.

لسان حال الناس

وتمتلئ جدران القدس بالشعارات التي تعبر عن لسان حال أهلها وعموم الفلسطينيين، بدءاً من توجهاتهم السياسية والاجتماعية، أو رفضهم وامتعاضهم من ظاهرة أو سلوك أو موقف معين، أو تذمرهم من مصاعب الحياة.

وجاء في أحد هذه الشعارات على سبيل المثال "اللعنة على داعش" بينما قال آخر "إلى مزبلة التاريخ"، فيما ترفض إحدى الشعارات التنسيق الأمني، وأخرى ترحب بأسير محرر، وثالثة تنعى شهيداً.