إن كان ثمة من يبحث عن دليل عن مظاهر التقاء المصالح بين إسرائيل وإيران وروسيا بعد الاتفاق النووي بين طهران والقوى العظمى، فما عليه إلا أن ينظر للتقييم الصهيوني لتكثيف التورط الإيراني والروسي في سوريا. فقد تماهى كل من الخطاب الإيراني والروسي مع الخطاب الصهيوني في كل ما يتعلق بسوريا. فإيران وروسيا تبرران تكثيف التدخل في سوريا، على اعتبار أن العالم وتحديداً أوروبا سيستفيد من إضعاف شوكة التنظيمات الإسلامية السنية، الموصومة بـ»الإرهاب»، مما يستدعي دعم التحرك الإيراني الروسي. وهذا نفس الخطاب الذي يعكف عليه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو، الذي حرص مؤخراً على القول للأوروبيين إن إسرائيل تمثل في الواقع درع أوروبا الواقي في مواجهة الإسلام السني المتطرف. من هنا، وبخلاف الخطاب المعهود، فيمكن للمرء أن يلحظ الكثير من مظاهر الرضا الإسرائيلي عن تعزيز الدور الروسي والإيراني في سوريا، سيما تصميم طهران وموسكو على مساعدة النظام على الاحتفاظ بالمناطق الساحلية الغربية، حيث التواجد العلوي. فحسب التقديرات الصهيونية، فإن الحرص الروسي الإيراني على تأمين المناطق الساحلية في أيدي النظام، يعني في الواقع تحقيق الحلم الصهيوني المتمثل في تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية وعرقية، على أن تكون أول دويلة تتشكل هي الدويلة العلوية. فانبعاث هذه الدويلات يعني إخراج سوريا، وللأبد، من موازين القوى الإقليمية، بما يسمح لإسرائيل بالتفرغ لمواجهة تحديات أخرى.
في الوقت ذاته، فإن الصهاينة يحتفون أيضاً لأن إسرائيل ستكون المستفيدة الرئيسة من الشراكة الروسية الإيرانية في الحرب على التنظيمات الإسلامية «السنية» على اعتبار أن تل أبيب تخشى من تبعات سيطرة هذه الحركات على سوريا أو جلها في أعقاب سقوط النظام. أي أن هناك في الواقع شراكة غير مباشرة بين إيران وروسيا وإسرائيل. وفي المقابل، فإن كان هناك من هو معني برصد مظاهر الخذلان الذي يتعرض له الشعب السوري، فما عليه إلا أن يستمع لتقييمات الاستخبارات الصهيونية بشأن طابع ومحفزات تكثيف الدعم الإيراني والروسي لنظام بشار الأسد. فحسب التقييمات الصهيونية، فإن الروس والإيرانيين قرروا العمل بدون قفازات من أجل الحفاظ على وجود النظام في المناطق الساحلية التي يتواجد فيها العلويون، على اعتبار أنها تمثل مواطن نفوذ حيوي لكل من موسكو وطهران. وقد كان لافتا بشكل خاص إجماع كل محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب على أن الرئيس الروسي فلادمير بوتين قرر استبعاد أي تسوية للمشكلة السورية لا تقوم على إبقاء نظام الأسد، على اعتبار أن بقاء النظام يوفر البيئة التي تؤمن المصالح الروسية. وفي الوقت الذي لم تقدم القوى التي تدعي أنها «صديقة» للشعب السوري أي سلاح نوعي يغير ولو بشكل محدود موازين القوى، فإن الصهاينة يرصدون زيادة كبيرة في حجم ومستوى المساعدات العسكرية التي يقدمها الروس تحديداً لنظام الأسد وتوجههم للمشاركة بشكل فاعل في الدفاع عن النظام. وتشير التقديرات الصهيونية إلى أن الروس يريدون إيصال رسالة لقوى المعارضة السورية المسلحة مفادها أنه في حال استهدفت هذه القوى المناطق العلوية في الساحل، فإنها ستواجه بردة فعل روسية عسكرية مباشرة، على اعتبار أن هذه المناطق تمثل منطقة نفوذ روسية حيوية. ويلفت الصهاينة الأنظار إلى أن الدعم السياسي الروسي لنظام الأسد لا يقل أهمية عن التدخل العسكري، حيث يبدو بوتين حريصاً على اقناع كل من يستمع إليه أن بشار الأسد مركب مهم من مركبات الحل وليس جزءاً من المشكلة. ويرى الصهاينة أن روسيا قد تعلمت الدرس من الموجة الأولى من موجات الربيع العربي، حيث تحاول من خلال تكثيف دعمها لنظام الأسد إرسال رسالة للأنظمة العربية مفادها أنه بالإمكان الاعتماد عليها، وأنه ليس من الوارد لديها التخلي عن أي نظام تربطه بها علاقات تحالف، كما تفعل الولايات المتحدة. لكن حتى الصهاينة يقرون بأن الروس معنيون بتوظيف خطر «الإرهاب الإسلامي» من أجل وضع روسيا في مركز المسرح الدولي كلاعب مهم لا يمكن تجاوزه، من خلال إبرز الدور «الريادي» في الحرب على الجماعات السنية. وحسب محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب، فإن الروس معنيون بتحويل سوريا إلى جزء من الصراع على قيادة العالم، أي تكون سوريا مادة للبيع والشراء في المزاد العالمي.
ما تقدم يدلل على وجوب أن تقوم الدول العربية وتركيا بتكثيف وتعزيز الدعم لقوى الثورة السورية، فنجاح الإستراتيجية الإيرانية الروسية، المدعومة ضمناً من قبل إسرائيل، يعني تعاظم التهديد اللأمن القومي العربي بشكل غير مسبوق.