أرسل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مبعوثه الخاص اسحق مولخو إلى السلطة الفلسطينية في رام الله ليطلب منها تهدئة الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في الضفة الغربية خوفا من تحولها إلى انتفاضة ثالثة.
من يصدق أن الشخص المغرور العنيد يطلب النجدة من الرئيس محمود عباس بعد أن شعر بالقلق من ردة الفعل الفلسطينية الغاضبة على الاحتلال والحكم العسكري والاستيطان وتهويد مدينة القدس المحتلة والاعتداء اليومي على المسجد الأقصى المبارك، وسياسة التجويع والحصار ضد الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
من يصدق أن نتنياهو ولأول مرة يوقف بناء المستوطنات في محيط المسجد الأقصى ولم يجرؤ أي مستوطن على المرور من شوارع البلدة القديمة في مدينة القدس بعد أن كانوا يعبثون بكل ما هو ملك فلسطيني ويدنسون المسجد الأقصى المبارك ويبطشون ويعربدون في المدينة المقدسة ويحرقون المنازل على ساكنيها ويرشقون المقدسيين بالحجارة ويستولون على الأراضي والممتلكات الفلسطينية عنوة.
من يصدق أن نتنياهو بادر على الفور إلى الإفراج عن مائة مليون دولار من هذه الأموال المجمدة للسلطة الفلسطينية "كرشوة" لاستعادة الهدوء ووقف السخط الشعبي بعد ثلاثة ايام سوداء عاشها الكيان وحالة الهلع والخوف التي أصابته، معتقدا أن الأمر متعلق بالناحية المادية متجاهلا الاحتلال والاستيطان والتهويد ومعاناة الأسرى وإنكاره لحق عودة اللاجئين والحصار والدمار والتجويع، معتقدا أن هذه المظاهرات تأتي لأسباب اقتصادية، وللمطالبة بدفع الرواتب.
لكن ما لا يصدقه العقل أن نتنياهو سوف يكون صادقا في أقواله وأفعاله ووعوده، خاصة انه من أكثر الرؤساء الإسرائيليين مراوغة وكذبا وتضليلا، الآن يطلب التهدئة والهدوء بعد أن كان طول فترة رئاسته الأولى وما زال الآن مستمرا في الاستيطان والتهويد واستفزاز مشاعر الفلسطينيين وسياسة الابتزاز التي يمارسها ضد الشعب الفلسطيني، وهو الذي استخدم عوائد الضرائب كسلاح للإذلال، تكشف عن سياساته وأساليبه الابتزازية الرخيصة، وسياسة المماطلة بتعاطيه مع المطالب الفلسطينية في العدالة واستعادة الحقوق الشرعية المغتصبة في العودة وإقامة الدولة المستقلة على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة دون استثناء.
هذه العقلية المريضة التي تختصر النضال الفلسطيني في الحصول على الرواتب، والعيش بلا كرامة، وتحمل كل اهانات الاحتلال ومستوطنيه هي أساس البلاء في منطقتنا العربية، بل هي مصدر كل حالات العنف والإرهاب وعدم الاستقرار في المنطقة العربية والعالم.
نتنياهو يريد التهدئة لسببين رئيسيين، الأول هو الحصول على مساحة من الهدوء تمكنه من تشكيل حكومته الائتلافية بعيدا عن أي ضغوط فلسطينية، والثاني عدم لفت أنظار العالم إلى معاناة الفلسطينيين المتفاقمة تحت الاحتلال أثناء زيارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما المرتقبة إلى المنطقة.
والسؤال المهم هنا: هل السلطة الفلسطينية ستبلع هذه الرشوة الرخيصة، وتلبي طلب نتنياهو في إعادة الهدوء والتهدئة؟ لا اعتقد أن الرئيس عباس سيوافق على طلب نتنياهو خاصة وانه لم يعد يثق به وبوعوده، وان السلطة الفلسطينية لم تسكت عن هدر الدم الفلسطيني وستستخدم كل ما لديها من وسائل لمحاكمة ومقاضاة الاحتلال في المحافل الدولية بفضح سياساته وممارساته العدوانية ضد شعبنا. فالسلطة الفلسطينية، يجب أن ترفض طلب نتنياهو المهين هذا، لأن أي تدخل من جانبها لقمع هذه المظاهرات سيؤدي حتما إلى الثورة ضدها، واتهامها بالوقوف في خندق الاحتلال.