لم يجل في خاطر المواطن يحيى حسان من سكان المنطقة الغربية لحي الزيتون بمدينة غزة أن تكون ليلة الأحد، الموافقة للحادي عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، هي الليلة الأخيرة التي سيكحل عينيه برؤية زوجته "نور" 23 عاما، وابنته "رهف" 3 أعوام، قبل أن تخطفهم غارة إسرائيلية غادرة، مزقت أحلامَهم، وحطمت آمالهم، وشتت جمعهم، وفرقت أجسادهم، ليرتقوا شهداء ويصاب ونجله محمد بإصابات متفاوتة.
ينحدر المواطن حسان من قرية المغراقة وسط قطاع غزة، تزوج قبل عدة أعوام من زوجته نور مزهر من سكان مخيم النصيرات للاجئين، ورزقه الله "رهف، محمد" وزوجته حامل بالشهر الخامس، اعتاد في حياته على الكد والتعب من أجل توفير قوت عائلته، فلا مصدر دخل ثابت لديه، حاله كمعظم سكان القطاع المحاصر.
العائلة السعيدة تجمعت في ليلتها الأخيرة، تجاذبت أطراف الحديث، وداعب الوالد المكلوم ابنته رهف كما اعتاد دوما، إلى جانب متابعته وزوجته الشهيدة نور للأحداث المتسارعة بالضفة الغربية وبعض مناطق قطاع غزة.
الاجتماع الأخير
احتضن الوالد طفله محمد وغط في النوم كعادته كل ليلة، واحتضنت الشهيدة الأم نور طفلتها الشهيدة رهف وظلت تناظر ابنتها في مشهد براءة الأطفال الذي اعتادت عليه الشهيدة قبل نومها.
وعلى صوت مؤذن المسجد القريب من بيت عائلة حسان، استيقظت العائلة مذعورة على صوت أول غارة إسرائيلية بأرض قريبة منهم، فانتفض يحيي من مكانه بعد أن هز القصف الإسرائيلي منزله المتواضع، الأمر الذي سبب رعب وبكاء لرهف ومحمد، حيث اشتد وجع بطن الأم الحامل تزامنا مع القصف.
هدأ يحيى عائلته واحتضن أطفاله، وطلب من الأم احتضان أطفالها، وخرج ليتفقد مكان القصف، وما أن وصل إلى باب المنزل حتى نزل الصاروخ الثاني على المنطقة ودمر منزله، فسقط على الأرض من شدة الانفجار.
ويضيف الوالد المكلوم :" استجمعت قواي وبدأت بالزحف نحو الغرفة المتواجدة بها عائلتي، وسمعت صوت محمد يصرخ وينادي علي، باب ما بدي أموت، ماما وبابا وينكم، ونادت رهف ببعض الكلمات التي لم أستطع سماعها بشكل جيد وبعدها حل صمت كبير".
حاول الوالد يحيى البحث عن عائلته بين أنقاض المنزل المهدم، غير أن إصابته والدمار الكبير في المنزل حال دون قدرته إكمال البحث، فأخذ بالصراخ والبكاء والاستنجاد بأحد ينقذ عائلته.
وبعد دقائق من الغارة الإسرائيلية تدافع سكان المنطقة لتفقد مكان القصف وفوجئوا بدفن الغارة لمنزل عائلة حسان، وتسارعت بعدها سيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني لإنقاذ عائلة حسان.
فرّق القصف الإسرائيلي عائلة حسان المكونة من أربعة أفراد بجانب جنين بأحشاء والدته في حملها بالشهر الخامس، لترتقي الأم نور مزهر 23 عاما، وطفلتها رهف حسان 3 أعوام، و يصاب الوالد يحيى وطفله محمد بإصابات متفاوتة.
لحظات الوداع
انتشر فيديو مؤثر للمصاب يحيى حسان وهو يودع طفلته الشهيدة رهف بشكل كبير على وسائل الإعلام، وحاز المشهد على نسبة مشاهدة مرتفعة، وتعاطف واضح على شبكات التواصل الاجتماعي.
"بابا اصحي، اصحي يابا" بهذه الكلمات نادى يحيى على طفلته المدرجة بدمائها وهو يحتضنها ويقبلها قبلات الوداع، ويرفض أن يأخذها أحد من بين أحضانه.
حاول يحيى التمسك بطفلته لأكثر وقت ممكن قبل أن توارى الثرى بمقبرة مخيم النصيرات الجنوبية، فودعها بالمستشفى، وببيت عائلته بقرية المغراقة، وبمسجد الإيمان أثناء صلاة الجنازة، وقبل دفنها بلحظات، في صورة تظهر التعلق الكبير بين الأب وابنته الشهيدة.
رحلت رهف وتركت والدها مصابا، رحلت الأم نور وتركت طفلا وحيدا لم يبقَ له إلا أب أنهكت الإصابات جسده، رحل الجنين قبل أن يبصر النور ليشكو إلى ربه ظلمات المحتلين، ولتكتب عائلة حسان مسلسلاً جديداً من جرائم الاحتلال الإسرائيلي.