18.08°القدس
17.86°رام الله
17.19°الخليل
23.17°غزة
18.08° القدس
رام الله17.86°
الخليل17.19°
غزة23.17°
الخميس 10 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

إنها ليست انتفاضة ، إنها أكبر

66
66
عوني المشني

ليست انتفاضة ، ليست موجة عنف ، كما انها ليست هبة جماهير ، انها ليست كل تلك المسميات ، وان كانت تحمل بعض صفاتها ، فما الذي يجري ؟؟؟

شعب يتوحد في كل فلسطين التاريخية ، من البحر الى النهر في وقفة واحدة ، شعب لا ينتظر قيادة إنما القيادة تنتظر ما الذي يفعله هذا الشعب ، الفصائل تلهث خلف الحدث ولا تملك المقدرة لا على قيادته فحسب وانما على مجاراته ، شعب يجد اكثر ادواته جدوى في أبسطها وايسرها ، يهرب من الفعل المنظم الخاضع للسيطرة والاختراق الى الفعل الفردي والعفوي الخارج عن السيطرة والعصي على الاختلاف ، قائد الحدث هو المنفذ ، من يصدر الامر من يستشهد ، من يقرر من ينزل للميدان ، حدود فعله حدود شجاعته ، يتحرك في المساحات الغير قادرة على الاغلاق ، لا ينتظر التمويل ، ولا الذخيرة ، ولا حتى الغذاء . لا يبحث عن وحدة وهمية بل يصنعها في الميدان ، لا يطلب مساعدة احد وإنما يترك للجميع الخيار في المشاركة . فعل ليس له سقف ، يترك لمن يهمه الامر ان يستثمر فعله ، لا برنامج محدد ، الفعل ورد الفعل برنامجه ، يختصر برنامجه في الفعل اليومي الطوعي ، يرفض الانقياد لبرامج الفصائل ولكنه يفتح المجال لها للمشاركة .

بالتوصيف نحتاج لما هو هو اكثر ، لكن هي تلك سمات عامة ، ربما التوصيف لا يكفي ولا بد من استخلاصات .......ما يحدث هو اعادة صياغة للبرنامج الوطني ، برنامج موحد للشعب من البحر الى النهر ، برنامج لا يعتمد المقاومة المستوردة والنخبوية والمسلحة وإنما يستنبط أشكال مقاومة ملائمة للواقع ومبسطة وفي متناول الجميع ولا تحتاج الى احتراف ، و تقترب من الفعل الغريزي في الدفاع عن النفس ، برنامج مرن جدا متجاوب مع متغيرات الواقع يتعاطى مع المتغيرات بديناميكية عالية ولا يتحول الى قيود على المجتمع ولا يربك الحركة الاجتماعية ، برنامج لا يضع سقفا سياسيا ولا حد أدنى ولا أقصى ولا استراتيجيات ولا تكتيكات ، انه نضال على طريق الحرية والاستقلال والحقوق المدنية والمساواة وصون المقدسات ووقف تمدد الاستيطان ، كلها عناصر مشتركة ممتزجة ومتداخلة ، لا حدود سياسية ولا سقف يرتفع وينزل ولا مساومات ، برنامج لا يحتكره فصيل او مؤسسة او جهة ولا يختلف عليه احد ، ولكل الحق في تبني ما يتناسب منه ، جماهير شعبنا في الداخل قد يكون المساواة ومحاربة التمييز اولوية ، في القدس قد يكون الأقصى اولوية ، في غزة قد يكون رفع الحصار ، في الضفة قد يكون الاستيطان ..... وهكذا وقد تتغير الاولويات تبعا للواقع والمتغيرات ، وقد يترجم كل فصيل ما يحصل الى لغته ...

بنية القوة الفاعلة هي بنية ديناميكية متغيرة وهي البنية الفاعلة ، العاملة على الارض ، قيادة قاعدية وقاعدة قائدة وكلاهما شيئ واحد ، الفعل والميدان يصهر المجاميع في بوتقة الحدث ، والفعل الفردي الطوعي سيد المرحلة ، فعل لا يخصه لوصاية ولا الى الاحتواء ، لكل فرصة ان يتبنى الفعل او يدعوه لنفسه ويستثمره ويترجمه ولكن دون احتكاره

إذن ليس صياغة برنامج فحسب بل صياغة أدوات عمل وبنية عمل ، وعندما تتكامل البنية والبرنامج والأدوات في سياق منسجم فان يحدث هو منظومة ثورية متكاملة ، منظومة ستترك اثرها عميقا على مستقبل شعبنا .

ما يحدث كبير وكبير جدا ، وعميق جدا ، وثوري جدا ، هو الوعي الشعبي المعبر عن رؤية عميقة ابلغ من هرطقات السياسيين في الصالونات ، الوعي هذا هو ما وصفه مظفر النواب " الوعي حتى الخرافة "

كنّا نبحث عن صدمة تحدث تأثيرا عميقا وتحولا جذريا في المجتمع الاسرائيلي ، ما يحدث هو موجات التسونامي التي ستغير وجذريا المجتمع الاسرائيلي ، وبما ان اسرائيل ما زالت تكابر ، والمكابرة هذه تعزز الكراهية والإنكار ، لكن هذه مرحلة مؤقتة وستمر لتأتي بعدها مرحلة التسليم بحقائق الواقع ، لنتذكر ان اسحق رابين كابر طويلا في التعاطي مع الانتفاضة الاولى ، مكتبته هذه جعلته يلجأ لسياسة تكسير العظام ، لكن في النهاية سلم وبشكل دراماتيكي بالكينونة الفلسطينية

ما حدث خلال عشر ايام أقوى وأعمق من الانتفاضتين الاولى والثانية ، لقد ضرب في العمق القناعات الإسرائيلية التي كانت النخب الإسرائيلية تعتبرها مطلقة ، عادت القدس عربية بالمعنى السياسي والاجتماعي والنضالي ، سقطت سياسة التهويد وسقطت القناعات باستيعاب القدس ، سقطت سياسة الجدران التي أقيمت لحماية الداخل اذ تفجر الداخل بدون حاجة لتجاوز الأسوار ، سقطت سياسة التعايش السلمي الذي رعاها حزب العمل لعشرات السنوات ، وسقطت سياسة " نحن هنا وأنتم هناك " فأصبح الفلسطيني هنا وهناك ، اصبح في هوائهم وشوارعهم وعلى أسطح منازلهم وفي متاجرهم وشوارعهم ، سقطت قوانين التمييز ، سقطت محاولات تقسيم الأقصى ، سقطت سياسة بلطجة المستوطنين ، والاهم سقطت استراتيجية ادارة الصراع ، والحفاظ على الوضع الراهن ، وسقطت معها اوهام الضم

كل شيئ سقط ، كل شئ فشل ، لم يعد يقينا في اي شيئ ، اليقين الوحيد الذي تجذر : للفسطينيين في كل مكان ، الفلسطينيين حاضرين في خبزهم وملحهم وماؤها هاوءهم ، حاضرون مشكلة وحاضرين حلا للمشكلة

انها ليست انتفاضة ، انها اكبر . أنها ليست حربا ، انها اخطر . انها سقوط مدوي وكبير لسنوات مِن الغباء الاسرائيلي ، انها زلزال اقتلع كل الاوهام ، انها نهاية مرحلة تاريخية وبداية مرحلة
ما قبل الاحداث غير ما بعدها ، الرسالة وصلت حتى لو توقفت الاحداث اليوم ، الرسالة صادمة ، وتداعياتها ستكون عميقة وتستمر لسنوات .