ثورة السكاكين فرضت واقعًا جديدًا لم يتوقعه نتنياهو، في وقت ظن فيه أن التقلبات في المنطقة العربية، وحالة الانقسام الفلسطينية أجهزتا على الروح الوطنية لدى الأجيال الجديدة، فجاءته انتفاضة القدس كالأسد الأشم، لم يستطع أن يقف أمامها، مع كل احتياطاته الأمنية وقراراته العنجهية ضد فرسان الانتفاضة وثوارها؛ فقد أَربكت شأنه الداخلي وجعلته يفكر في نفسه، وفي كيفية حماية شعبه من طعنات الأبطال وسواطير الأفذاذ، وطلقات الأحرار.
فثورة السكاكين (انتفاضة القدس) فرضت منعًا للتجول بين صفوف الصهاينة المستوطنين في شوارع القدس، ومدن الضفة، حتى وصل الأمر إلى مطالبتهم بالانسحاب من أحياء شرقي القدس، وهذه المرة الأولى التي يطالب فيها يهود بالانسحاب من أحياء فلسطينية، فهم طالما طالبوا حكوماتهم المتعاقبة بأن يبقوا في كل شارع وزقاق، ولا يتركوها للفلسطينيين بزعم أنهم الأحق بها، لكن رعبهم أجبرهم على ذلك، وهذا ما أكدته صحيفة (معاريف) الصهيونية في استطلاعها الذي أشارت فيه إلى أن 66% من اليهود يطالبون بإخلاء الأحياء الشرقية من مدينة القدس، وقالت أيضًا: "إن 92% من اليهود لا يشعرون بالأمن في أثناء تجولهم في شوارع المدن التي يقطنها فلسطينيون، كالناصرة وأم الفحم".
وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى هشاشة هذا الكيان، الذي ينغلق على نفسه في أي مواجهة، وهذه المرة جاءتهم من شبان السكاكين والحجارة الذين أرعبوا الكيان، إلى درجة أنهم يخافون الخروج من منازلهم حتى أصبحوا وجبات طعامهم يجلبونها عن طريق (الإنترنت).
وكلنا شاهد كيف طارد الشهيد البطل إياد العواودة جنديًّا صهيونيًّا مدججًا بالسلاح، وانقض عليه وطعنه عدة طعنات، قبل أن يرتقي شهيدًا كاشفًا لنا (تقبله الله) مدى ضعف وخوف "سادس أقوى جيش في العالم".
إنها رسالة لقيادة السلطة، أن ما يسمى (إسرائيل) هشة، ولا تغرنّكم قوتها المصطنعة، وعليكم أن تعرفوا أن لكم شعبًا جبارًا يستطيع أن يهز الاحتلال وينتزع منه الحقوق.
وهذه أيضًا رسالة لفصائل المقاومة، أن التعبئة الوطنية لمختلف فئات شعبنا ضرورية، وألا تبقى حبيسة المواقع العسكرية، وهذه دعوة للساسة والمثقفين والصحفيين والكتاب إلى التقاط رسائل شبان الانتفاضة، وأن يدرسوها ويبحثوا فيها، حتى نعيد آليات التعامل مع العدو الصهيوني.