بمرور أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاق شرارة انتفاضة القدس، وانخراط مختلف فئات شعبنا الفلسطيني فيها، واستخدام مختلف الوسائل في الدفاع عن أنفسهم، وتنوع حالات المقاومة بين الحجر و"المولوتوف" والسكين وعمليات الدهس وإطلاق النار، باتت دولة الاحتلال تدور في دائرة من الخوف والارباك، حتى وصل الأمر بجنودها إلى إطلاق النار تجاه أشخاص يهود اعتقدوا أنهم فلسطينيون.
وحتى تستمر انتفاضتنا علينا تتبع مسارها وحمايتها من أي التفاف عليها، ومساندتها جماهيريًا وميدانيًا وسياسيًا وإعلاميًا، والذي يبعث على الاطمئنان أن هذه الانتفاضة شعبية وعملياتها فردية، ولا سلطة لأحد عليها، فبالتالي لا يمكن لأي جهاز استخباراتي، تتبع أبطالها لأنهم يخططون وينفذون بمفردهم دون تواصل مع أحد، ولذلك فهي مستمرة وفي تقدم وانتشار كبيرين.
وبناء عليه سيقدم لكم كاتب هذه الأسطر قراءةً لمواقف ذات صلة، حتى تكون الصورة الكاملة للانتفاضة واضحة وجلية.
أولا: الموقف الفلسطيني الشعبي:
بفضل الله تعالى فإن انتفاضة القدس أثبتت بأن شعبنا حيٌ ولا يرضى بالدنية، لا في دينه ولا وطنه ولا قدسه، ومهما مورست عليه عمليات التهجين، والتهويد، وتغيير الثقافة العربية والإسلامية، إلا أنه شعب أصيل، شارك في فعاليات الانتفاضة بمختلف فئاته، وفي مقدمتهم الشباب الذين استهدفهم الاحتلال وأعوانه، وعملوا على تدميره نفسيًا، ودينيًا، ووطنيًا، وأخلاقيًا، إلا أنهم تصدروا عمليات الانتفاضة ونفذوا أكثر من 50 عملية بطولية أسفرت عن مقتل وإصابة قرابة 150 جنديًا ومستوطنًا صهيونيًا.
ولأن شعبنا عظيم، فقد انتفض كله ضد المحتل، في كل أماكن تواجده في القدس والضفة وغزة والداخل، وجميعهم قدموا شهداء وجرحى وأسرى، وحتى شعبنا في الشتات شارك بما أوتي من قوة، فهذا هو الشعب الفلسطيني، لا يمكن له إلا أن ينتصر للقدس والمسجد الأقصى، وأن يرفض محاولات تشتيته، فدمه وهدفه وطريقه واحد.
وهذا هو الوضع الطبيعي لشعبنا، الذي يرزخ تحت الاحتلال، أن ينتفض ويثور، فلا يجب ولا يمكن لهذا السرطان الاحتلالي، أن يعيش على أرضنا مطمئنًا.
ثانيا: الموقف الفلسطيني الرسمي والفصائلي /
الأيام الثلاث الأولى من انتفاضة القدس، كانت السلطة بأجهزتها، منخرطة فيها، أو -على الأقل- وفرت لها مناخًا مناسبًا، ليس هدفًا منها لإطلاق شرارة الانتفاضة الثالثة، ولكنها أرادت لها أن تكون مجرد "هبة شعبية سلمية"، للضغط على نتنياهو، حتى يتحقق لها بعض المنجزات السياسية، وتعود "الهيبة الوطنية" لمحمود عباس، كرئيس للسلطة وحركة فتح ومنظمة التحرير، وأيضًا كي يعود إلى طاولة المفاوضات، لكن الأمور سارت بغير ما يريد أبو مازن، فقد توسعت الانتفاضة مناطقيًا وشعبيًا، وتطورت إلى تنفيذ عمليات طعن وإطلاق نار.
هناك أطراف تقول: "إن الانتفاضة الشعبية كانت في الأصل ضد سياسة عباس، ولكنه غير مسارها تجاه "إسرائيل" ".
وفي ظني أن أطرافًا داخل حركة فتح، عملت على تأجيج نار الانتفاضة، لتستمر بقوة، ودعمتها جماهيريًا وميدانيًا وإعلاميًا، حتى تقلب الطاولة على عباس، وتضعه في الزاوية، لإجباره على التوقف عن تحركاته ومخططاته تجاه إعادة تشكيل هيكلية كلٍ من فتح ومنظمة التحرير والسلطة، وهذا كله نتيجة الأزمات والخلافات التي تعصف بالحركة، وتنازع قياداتها على المناصب والمنافع.
وحتى يخفي أبو مازن ذلك، تظاهر أمام الرأي العام بأنه يقف إلى جانب الحراك الجماهيري أو "الهبة الشعبية" وفق تسميته لها، ولكنه في حقيقة الأمر ضد أي انتفاضة، وقد تُرجم هذا بتنفيذ أجهزة السلطة لحملات اعتقال واستدعاء لعشرات من شباب هذه الانتفاضة.
ووفق تلك التفسيرات، فإن الخلافات الداخلية لحركة فتح، تعطي للانتفاضة، وتحديدًا في الضفة المحتلة، بعض التحرر من قبضة الأجهزة الأمنية.
ومن خلال تلك المعطيات، فإن الانتفاضة مرفوضة من قبل السلطة، بل هي مرفوضةٌ عربيًا، وبسبب الالتفاف الجماهيري حولها، فإن السلطة تخشى قمعها علنًا حتى لا ينقلب السحر على الساحر.
أما فصائليًا /
فمن الواضح أن الانتفاضة يحميها غطاء فصائلي قوي، وشبه موحد، وهناك مساندةٌ جماهيريةٌ وسياسيةٌ وإعلامية، والوحدة الفصائلية أعطت للانتفاضة زخمًا جديدًا، بل شكل لها دافعًا للاستمرارية حتى تحقيق الأهداف الوطنية.
ولذلك فعلى الفصائل ألا تقبل بأي عروض سياسية في الوقت الراهن، حتى لا تُقطف ثمارها مبكرا، وعليها تشكيل لجان ثورية داعمة للانتفاضة، وأن تحافظ على استمراريتها.
ثالثا: قراءة إعلامية للانتفاضة /
الانتفاضة الفلسطينية الحالية، شكلت رافدًا للإعلام، وتحديدًا الفلسطيني، فكما أشرت بأنها أعادت للوحدة الوطنية مكانتها، ووفرت وحدة ميدانية وجماهيرية وإعلامية فريدة.
وللإعلام الفلسطيني، الدور الرائد في إشعال انتفاضة القدس، واستطاع أن يشكل لها درع الحماية، وفي اعتقادي أنه لو لم يكن لنا إعلامٌ وطني، لما استمرت الانتفاضة، لأنه أمدها بالروح الوطنية وأوقد نار الثورة فيها.
وإعلامنا الفلسطيني ينقسم إلى قسمين:
1 - إعلام وطني مقاوم، والذي تمثل في قنوات الأقصى والقدس و فلسطين اليوم، وقد أصبحت هذه القنوات الثلاث اليد الضاربة، والناطق الرسمي باسمها.
ومن خلال المتابعة، فقد أبدى الكثير اعجابه –بل استغرابه أحيانًا- من قناة الأقصى التي بثت ذات الأغاني الوطنية التي كانت تذاع أيام الثورة الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي، وأيضًا ارتداء مذيعيها الكوفية الفلسطينية، فقد أرادت قناة الأقصى هنا، أن تؤكد لشعبها الفلسطيني ولأمتها العربية والإسلامية، أنها الناطق الرسمي باسم المقاومة الفلسطينية -أيًا كانت-، وأنها تدعم وتساند أي تحرك ضد الاحتلال.
2 - إعلام رسمي، والمتمثل في تلفزيون فلسطين والقنوات التي تبث من رام الله، وللأسف، فهذه القنوات إما أنها تغطي فعاليات الانتفاضة على استحياء، أو أنها تشكك في بطولة شبابنا، وتضفي على الانتفاضة الديباجة القديمة: "بأنها مؤامرة حبكتها حماس مع نتنياهو للانقلاب على السلطة في الضفة"، وهذه التغطية الإعلامية، أبدى الكثير من شعبنا امتعاضه منها، وغضبه على تلفزيون فلسطين، ومن بينهم قيادات وكوادر من حركة فتح.
رابعا :الموقف الصهيوني /
أما دولة الاحتلال، فقد أصابها الخوف والارتباك من انتفاضة القدس، ويكفي أن نسبة الذين يذهبون إلى المستشفيات والعيادات النفسية داخل الكيان قد وصلت إلى نسبة 100 %، وأن أكثر من 66% من المستوطنين، أصبحوا راغبين بالرحيل من الأحياء الشرقية لمدينة القدس، ناهيك عن قطاع السياحة، الذي تأثر أيما تأثر، ووصل إلى منحنيات كبيرة، ويكفينا أيضًا أن سمعة الجندي الصهيوني، قد أصابها الوهن والانكسار، بسبب صور كثيرة، كان في مقدمتها، صورة الجندي المدجج، الذي يهرب من الصنديد إياد العواودة في الخليل، والصور التي أظهرت جنودًا يفرون مذعورين في محطة بئر السبع، ومن صورة المستوطن الذي قتل على يد جندي معتقدًا أنه فلسطيني يريد أن يطعنه في القدس.
هذه الصور الثلاث، تلخص قصة "الجيش الذي لا يقهر"، والتي كشفت عورة دولة الاحتلال، التي هي أوهن من بيت العنكبوت، والتي هزتها عمليات الطعن، وتعطل كل جبروت أسلحتها المتطورة التي تخشاها دول المنطقة.
هذه هي انتفاضة القدس في شهرها الأول، والتي انطلقت دفاعًا عن القدس ومسجدها، والتي مازالت تتعرض لمؤامرات ومخططات، تهدف لتهويدها؛ فعلى قوى شعبنا أن تكون حذرة، وأن تنتبه لمكآئد بني صهيون، ويجب أن تشكل لجانًا ثورية، وخلايا للأزمات، حتى ندير معركتنا مع عدونا، فهي لم تنتهِ بعد، ولكن مرحلة جديدة قد بدأت من حلقات صراعنا، فالعدو ما زال عازمًا تجاه تنفيذ مخططاته، وللأسف بدعم أطراف فلسطينية وعربية، ولذلك علينا تطوير الانتفاضة، والعمل على اتساعها وانتشارها، لنؤكد دائمًا: "أن الانتفاضة مستمرة .. حتى تعود الأرض حرة".