19.38°القدس
19.12°رام الله
17.75°الخليل
24.37°غزة
19.38° القدس
رام الله19.12°
الخليل17.75°
غزة24.37°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

نتنياهو يبحث عن إطفائية عربية

صالح الننعامة
صالح الننعامة
صالح النعامي

 يحاول رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بكل ما أوتي من قوة توريط أكبر عدد من الزعماء العرب في حراك مضاد لانتفاضة القدس؛ من أجل أن ينقذ نفسه وحكومته بعد أن عجز عن وضع حد للحراك الفلسطيني المقاوم، دون أن يقدم في المقابل الحد الأدنى الذي يمكن أن يقلص مخاوف الفلسطينيين مما ينتظر المسجد الأقصى. فقد طالب نتنياهو بشكل واضح كلاً من الأردن والسلطة الفلسطينية وأطرافا عربية أخرى بتبرئة «إسرائيل» من اتهام الفلسطينيين لها بالعمل على تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف. وهناك في تل أبيب من ذهب إلى حد تحديد النصوص التي يتوجب على المسؤولين العرب أن يرددوها من أجل «تهدئة» مشاعر الفلسطينيين واقناع الشباب المقاوم بوقف عملياتهم. لكن نتنياهو الذي لا يخجل من ضبطه متلبساً بالكذب الفج المرة تلو المرة، لم يعتقد أن كذبه هذه المرة سيكتشف بهذه السرعة وعلى هذا النطاق.

فلم تكد تمضي ساعات على مطالبته العرب بتبرئته، حتى صعد وزير الزراعة والاستيطان الصهيوني أوري أرئيل، الذي يقود حملات تدنيس الأقصى وأعلن بصوته وبشكل واضح أن جميع اقتحاماته للحرم تمت بموافقة نتنياهو نفسه. وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة «ميكور ريشون» الجمعة الماضي، أوضح أرئيل أنه ينوي تكثيف حملات التدنيس للحرم. فكيف يمكن لنتنياهو أن يتوقع تصديق الحكام العرب له ومسارعتهم لتبرئته من التخطيط لتغيير الوضع القائم في الحرم، إن كان وزير كبير في حكومته يؤكد، وفي مقابلة مع صحيفة عبرية، أنه تلقى التشجيع من نتنياهو عندما دنس الحرم. وإن كان هذا لا يكفي، فإن حكومة نتنياهو شرعت مؤخراً في طرح مساق تعليمي لطلاب المدارس اليهود لتعزيز الوعي لديهم بضرورة وأهمية «إعادة بناء» الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى، على اعتبار أن هذه الخطوة تمثل «ذروة الخلاص اليهودي وضمانة لحل مشاكل المجتمع الإسرائيلي».

ومن الواضح أن من يقدم على هذه الخطوات يصمم على تغيير الوضع القائم في الحرم. نتنياهو لا يمارس الكذب مع الزعماء العرب فقط، بل يستخف بوعيهم، ويريد أن يتناسى العالم حقيقة أن النواب الذين قدموا مشاريع قرار للكنيست لتشريع التقاسم الزماني والمكاني هم نواب حزب الليكود، الذي يقوده نتنياهو. ليس هذا فحسب، بل إن ما يعرف بـ «نادي شباب الليكود» يلعب دوراً رئيساً في تغذية حملات تدنيس الحرم بالمتطوعين. وقد فطن نتنياهو إلى استخدام خدعة أخرى تمثلت باقناع الحاخامين الأكبرين في «إسرائيل» بإعادة نشر فتوى قديمة بعدم جواز توجه اليهود للحرم القدسي الشريف، وتصويرها على أنها تدلل على مرحلة جديدة من التعاطي الإسرائيلي مع الوضع القائم. والحقيقة أن الحاخامية الكبرى في «إسرائيل» ترى أن الهيكل يقع أسفل قبة الصخرة وأنه يتوجب إعادة بنائه بأقصى سرعة، لكنها منذ العام 1967 أفتت بعدم توجه عامة اليهود إليه إلا بعد أن يقوم «سدنة الهيكل المنتظر بتطهيره برماد عظام البقرة الصفراء». ومع أنه قد مضى أكثر من 48 عاماً على هذه الفتوى إلا أن قطاعات واسعة من اليهود المتدينين والعلمانيين لم يحترموها، ناهيك عن بروز تيار واسع من المرجعيات الدينية والحاخامات الذين يرفضون هذه الفتوى ويعتبرون أن مسوغاتها «الفقهية» غير متماسكة.

من هنا، فإن مجرد توجه نتنياهو للحكام العرب لمنحه شهادة براءة من مخططات المس بالأقصى يعد إهانة واستخفافا بالوعي العربي. نتنياهو يحاول تجنيد أكبر عدد من الأطراف الإقليمية والدولية لمساعدته على وقف انتفاضة القدس التي أفضت إلى تقويض إستراتيجية إدارة الصراع التي اتبعها، والتي قامت على معادلة بسيطة: بقاء السلطة الفلسطينية مقابل تسليم الفلسطينيين بالاستيطان والتهويد ومواصلة التعاون الأمني. فقد ضمنت هذه المعادلة حتى الآن تمتع الكيان الصهيوني بمزايا الاحتلال المرفه، حيث يحظى الصهاينة بالهيمنة المطلقة على الأرض ويحتكرون السلطات الحقيقية عليها، في حين يعفون أنفسهم من التبعات التي تترتب على سلطات الاحتلال كما ينص القانون الدولي. ويعني تفجر عمليات المقاومة على هذا النحو، إن الفلسطينيين لم يعودوا يسلمون بهذه المعادلة، وإن «إسرائيل» مطالبة ببلورة إستراتيجية أخرى للتعاطي مع الواقع الجديد. لقد عرت عمليات المقاومة الأساطير المؤسسة لأيدلوجية اليمين الصهيوني بشقيه الديني العلماني، وتهاوت ركائز خطابه بشكل واضح. ولقد فضحت ردود فعل الجمهور الصهيوني على عمليات المقاومة التي حولت العمق الصهيوني إلى ساحة مواجهة واسعة، خطاب اليمين، ودللت ليس فقط على عدم واقعيته وعقمه، بل عكست استعداد قطاعات واسعة من هذا الجمهور لقبول صيغ حلول للصراع مناقضة تماماً لمنطلقات اليمين؛ كما دلت على ذلك نتائج استطلاع الرأي العام، الذي نشرته صحيفة «معاريف» ودلل على أن حوالي 70% من اليهود في «إسرائيل» يؤيدون الانسحاب من الأحياء الفلسطينية في القدس؛ وهذا يعني أن قطاعاً واسعاً من مصوتي اليمين الإسرائيلي يتبنون هذا الموقف.

حذار حذار أن يقع أحد في الفخ الذي ينصبه نتنياهو البائس اليائس، فلو خرج من هذا المأزق لعاد على الفور لممارساته المعهودة وبشكل فج.