19.38°القدس
19.12°رام الله
17.75°الخليل
24.37°غزة
19.38° القدس
رام الله19.12°
الخليل17.75°
غزة24.37°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

من يملك إنهاء الانتفاضة؟!

لمى خاطر
لمى خاطر
لمى خاطر

طفت على السطح موجة كلامية قبل أيام تروّج لقناعة بعض المتابعين بأن الانتفاضة في طريقها للانتهاء، وذلك على إثر ما يسمى بمبادرة كيري وظهور مؤشرات على توجه قيادة السلطة نحو العمل على إيقاف الانتفاضة. وهناك من بدأ ببث جرعات تخذيل داخل الشارع الفلسطيني والتباكي على دم الشهداء الذي سيذهب هدراً ومثله تضحياتهم الكبيرة خلال الشهر الأخير.

ويبدو هنا أن أصحاب الذاكرة القصيرة أو التحليل الرغائبي للأحداث يفترضون في هذه الانتفاضة أن تظل مستمرة بنَفَس تصعيدي واحد، وأن تشهد مواجهات واسعة بشكل يومي، وهو أمر مخالف لمنطق الأشياء، فكل الانتفاضات السابقة مرت بأيام هدوء تقابلها أيام تصعيد، وبلحظات سكون يعقبها حراك، ولن يكون كافياً أن تخفت وتيرة الأشكال الشعبية للانتفاضة لكي يكوّن أي أحد حكماً أو خلاصة بشأنها.

فحتى لو خفّت أشكال المواجهة الشعبية عند نقاط التماس مع الاحتلال (وهي قليلة أصلاً في الضفة منذ بداية الانتفاضة) فلا يجوز إغفال التطور المهم الذي حدث منذ بداية هذه الانتفاضة وهو عمليات الطعن الفردية اليومية، والتي تحدث بكثافة غير مسبوقة في تاريخ الصراع الفلسطيني المعاصر. صحيح أنها لا توقع خسائر واسعة في صفوف الاحتلال، لكنها تحمل مؤشرات كثيرة على وجود تحوّل نوعي في وعي واستعداد هذا الجيل ومستوى إقدامه وتضحيته، وهو ما يعني أن الانتفاضة أسّست لحالة جديدة من الثقافة المقاومة، التي تجاوزت الأنماط المنظمة لها لتصبح مسؤولية فردية يستشعرها كلّ مستعدّ للتضحية، ويقدم عليها دون إشارة أو طلب من أحد، وهو ما عوّض حالة الإنهاك التي تعيشها المقاومة المنظمة بفعل الضربات المتلاحقة التي تعرّضت لها من قِبل الاحتلال والسلطة.

أما عن الاعتقاد بأن السلطة سيمكنها وقف المقاومة وعملياتها لو شاءت فهو مجانب للصواب وللمنطق السليم، لأن السلطة لم تكن في أي وقت مع خيار الانتفاضة أو الثورة أو المقاومة، وتصريحات عباس حول عبثية الانتفاضة كثيرة وحاضرة، وعلى مرّ السنوات الماضية عملت السلطة على منع الوصول إلى لحظة الاندلاع أو الانفجار، لكنها أمام النمط الشعبي الذي لا يتكئ على تنظيم بعينه تبدو عاجزة فعلاً عن إخمادها أو حتى محاولة ذلك، لأن جانباً كبيراً من الغضب الشعبي سيتحول باتجاهها إن فعلت، خصوصاً مع حالة الإعدامات اليومية التي ينفّذها الاحتلال ومستوطنوه في مناطق الضفة، وما تفرزه هذه الحالة من غضب عام في الشارع، وما تنتجه من عمليات طعن متواصلة، وتتنوع مشارب منفّذيها.

أما الشهداء، فلم ينتظروا أن يتحدث أحد باسمهم ويستخسر دمهم وتضحياتهم، لأن المجاهد الذي أبصر واجبه ومضى في طريقه يعلم جيداً أنه إنما كان يؤدي واجبه ضمن مسيرة طويلة وحافلة بالدماء والأعمار المبذولة على الدرب، وهو لا ينتظر أجراً دنيوياً من أحد ولا تمجيداً أرضياً بعد رحيله، وحسبه الجزاء الأوفى في الآخرة، لأن (من جاهد فإنما يجاهد لنفسه)، أما من آثر الكلام والتخذيل وبثّ روح اليأس في أوساط الجمهور بحجّة الواقعية فهو إنما ينهل من عزيمته الواهنة ونفَسه القصير وقعوده المذلّ.