20.55°القدس
20.3°رام الله
19.42°الخليل
24.88°غزة
20.55° القدس
رام الله20.3°
الخليل19.42°
غزة24.88°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

ضياع فلسطين ضياع وحدة وفقدان دين

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

أجل، وبكل تأكيد هذا هو أصل المشكلة وجوهرها، بعيداً عن التنظير والتحليل المجافِيَيْن للحقيقة. فنحن لم نفتح فلسطين إلا عندما كنا متحدين وملتزمين بأمر الدين. فرسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب الدين المنقذ من الضلال، أول فاتحيها بإسرائه ومعراجه وثانيهم وزيره الفاروق رضي الله عنه وثالثهم أحد أتباعه صلاح الدين الذي كانت تقوده لاستردادها من الصليبيين إسلاميته وليست قوميته. ولم تكن كل هذه الفتوحات ممكنة، إلا عندما كانت الوحدة في الأمة قائمة والدين فيها ساري المفعول.

 فلما حاربت الأمة دينها –كما هو الحال في هذا العصر– إذ لم ترضه رابطة بين شعوبها على مختلف أجناسهم، ورضيت بدلاً منه رابطة جاهلية هي العصبية القومية، ضاعت فلسطين. ومن هنا رأينا أن الصليبيين عرباً وعجماً، يطيرون فرحاً لانتصار الحلفاء على المسلمين وضياع خلافتهم في الحرب العالمية الأولى. فقد قالها القائد الإنجليزي أَلِنْبِي، وهو يدخل القدس : الآن انتهت الحروب الصليبية، بل قالها الشاعر الصليبي الكبير إيليا أبو ماضي، مغتبطاً بسقوط علم الخلافة:
وقدِ انجلَتْ فإذا الهلالُ مُنَكَّسٌ
علَمٌ طَوَتْهُ رايَةُ الصُّلبانِ
بلى، إنها لحرب صليبية حرفت المسلمين عن دينهم عامل وحدة في صفوفهم إلى روابط جاهلية مفرقة. وعندها عندها فقط سقطت خلافتهم وتوارى دينهم، ووهت قوتهم، وفقدوا وحدتهم، ومن ثم أضاعوا فلسطين.

ومن بعدُ استدعت المؤامرة أن يُعيِّن هؤلاء الغزاة على بلاد العرب خاصة –بعد أن مزقوها إرَباً– زعماءَ على عيونهم لخدمة مصالحهم، لا يدعون إلى وحدة حقيقية، ولا يقيمون لإسلام وزناً، ولا لجهاد قيمة، بل عمدوا إلى إلغائه، وعدوا من ينادي به أو يقاتل عليه إرهابياً يجب أن تحشد القوى المحلية والعالمية للقضاء عليه، ليخلو الميدان لوجه بني صهيون، يفعلون في فلسطين ما يفعلون. ومن المؤكد أننا لم نعد نسمع بعدها، أو نرى على مستوى الرسميين والحزبيين ممن تخرج في مدارس هؤلاء المستعمرين، بنفحة إسلامية في العمل على استرداد الوحدة المفقودة، أو البلاد المغصوبة، وإنما هي دعاوى قومية أو إقليمية مقيتة وخطاباتٌ للزعماء أو تصريحات خائبة، بل خائنة إذ رحت – وقد انكشف القناع عن وجوههم – تسمع من بعضهم أنهم يفعلون ما يفعلون من تصرفات ضد الأوطان لحماية أمن (إسرائيل)!
وبهذه السياسات الفاسدة وتلك التوجهات الضالة من الرسميين العرب ومَن هم على شاكلتهم من الأحزاب القومية أو الاشتراكية، انفتح الطريق أمام اليهود سهلاً لاحتلال فلسطين، فلا الجيوش تُعَدُّ إسلامياً لكبح جماح المغيرين عليها، ولا القوى تعبأ روحياً لتخليصها من براثنهم النتنة، ولا القتال يُشَنُّ عليهم لتكون كلمة الله هي العليا، ولا أيٌّ من هذه العساكر العربية يدخل الحرب مع عصابات اليهود بوحدة الصف أو القيادة أو الهدف، ولا سيما في ظل جامعة عربية مشرفة صُنِعَت على عين الإنجليز لتكون عامل تثبيط وتخاذل لا عامل حشد وحسم. ومن هنا فقد هُزمت هذه الجيوش مجتمعة، وما زالت تهزم حتى هذه الساعة. والأنكى من ذلك أنها على ضخامة عددها وكثرة أسلحتها، تُحجِم عن إطلاق ولو رصاصة واحدة على هؤلاء المحتلين، لأنه كمال قالها العراقيون منذ زمان: (ماكو أوامر).

وها هم أهلنا اليوم في فلسطين –وقد تخلى عنهم الأقارب بما يملكون من أعتدة جبارة وجحافل جرارة وأموال طائلة وإمكانيات هائلة، وتخلى عنهم الأباعد ممن يملكون العصا والصولجان ولو بكلمة إنصاف واحدة، وهم أصحاب الحق الصراح، وذلك إزاء ما يعيشونه من مآسٍ لم يلقها شعب قبلهم– قاموا يدافعون عن بلادهم ومقدساتهم التي هي في الحق بلاد العرب والمسلمين ومقدساتهم جميعاً بما يملكون من إمكانيات زهيدة، يوجهون إلى كيان هؤلاء الغاصبين ضرباتهم الموجعة مما جعل الذعر يدب في صفوفهم والرعب ينتشر في أوساطهم، والقلق يعشش في قلوبهم، ولاسيّما أنهم لجأوا اليوم بعد استعمال أسلحة تقليدية على طول مواجهاتهم مع هؤلاء الغزاة إلى سلاح يفرق منه هؤلاء أشدَّ الفَرَق. إنه سلاح السكاكين التي يرون في بريق نصولها الموت الأحمر يهجم عليهم بسرعة البرق فينتزع أفئدتهم من صدورهم وأرواحهم من عروقهم، بينما العرب يتفرجون ولا يُحيرون جواباً، وقد تبلدوا أن يدافعوا عن دينهم وكرامتهم، وينجدوا إخوانهم تبلد الحجارة الصماء.

وها هم في كل أنحاء فلسطين ولاسيما في الضفة الغربية يوجهون لليهود جيشاً عرمرماً وأسلحة فتاكة وحكومة متغطرسة ومتدينين حقَدَة، ما ينوؤهم ويسوؤهم، ويخطف الغمض من جفونهم دفاعاً عن القدس الشريف والمسجد الأقصى الطهور، وقد استهدفه اليهود لمنع المسلمين من الصلاة فيه، محاولين تقسيمه زمانياً ومكانياً. وما درى هؤلاء الخبثاء أن هذا المسجد المبارك بناه الخلفاء المسلمون، وأنه أرضاً وبناءً وسماءً للمسلمين وحدهم لا ينازعهم عليهم منازع. ولن يقبلوا أن يُقَسَّم على اثنين بأي حال. إنه جامع الموحدين. وخَسْأَةً لأمريكا ووزير خارجيتها أن يُطلق عليه جبل الهيكل، أو توضع فيه الكاميرات بُغية التجسس على المصلين، وليخسأ معه اليهود وحاخاماتهم الواهمون أن يُقسَّم المسجد. وهاهُم الشباب والرجال والنساء يهبون من حوله ومن كل مكان في أرض الإسراء للدفاع عنه بكل جرأة وبسالة.

وليعلم أعداء هذه الأمة من صليبيين ويهود وحكامٍ عرب متواطئين، أنهم وقد قاموا بمؤامراتهم لتفريق شمل الأمة والقضاء على وحدتها، والتآمر على دينها، أجل، ليعلموا أننا نحن أبناء هذه الأمة عامة والحركة الإسلامية خاصة، لن نسلم بأيدينا لاحتلال اليهود مهما طال المدى، ولن نعترف بكيانهم الغاصب، ولن نترك الدفاع عن الأقصى ولو على إزهاق أرواحنا ونهكة أموالنا. وليعلموا جميعاً أننا بعون الله ساعون بالتربية الربانية لإعادة الوحدة إلى صفوف الأمة، وبحمل ما نستطيع حمله من سلاح نشهره في وجوه المحتلين، مؤمنين أنه لا وحدة لنا ولا قوة إلاّ بالإسلام، وسنكون إن شاء الله، الأشواك الناخسة في حلوق أعداء الله، والسكاكين الباعجة لبطونهم.

ولا يفرحنَّ الطغاة من حكام العرب وسادتهم من أمريكان وروس ومعهم الذين يفكرون بإعادة مجد الأكاسرة أن ينالوا منا ومن عقيدتنا، وإن نالوا من ترابنا وحجارتنا وأشجارنا، فستكون هذه البلاد التي يجوسها أعداء الإسلام اليوم بدعوة من حكامها من أبناء جلدتنا، قبوراً لهؤلاء الغزاة ومزابل تاريخ لأولئك الطغاة من عملائهم. وإننا لنطمع برحمة الله أن نكون ممن قال فيهم عزوجل هذه المرة: (فإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَة ليسُوؤوا وجُوهَكُمْ ولِيدْخُلُوا المسجِدَ كما دَخَلُوهُ أوّلَ مرةٍ، ولِيُتَبِّرُوا ما علَوْا تتبيراً). وأقول لهؤلاء وهؤلاء من الذين يحلمون بإعادة مجد كسرى وقيصر وطغيانهما، لقد بشرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بأنه لن تقوم لهم قائمة بقوله: (إذا هَلَكَ كِسرى فلا كِسْرَ بعدَهُ، وإذا هلَكَ قيصر فلا قيصر بعدَهُ).

وإنني لأرسلها من هنا من أرض الحشد والرباط، تحية إكبار وإجلال لأهلنا في فلسطين بشبابهم الذي يرفض بأفعاله الجريئة خزي أوسلو واتفاقياتها الذليلة وخيارات زعمائها التفاوضية الفاشلة، وشيبهم الجُرءاء آبائنا وأعمامنا، وحرائرها أخواتنا الكرائم البطلات : اثبتوا، فنحن معكم، والله معكم، ولن يَتركم أعمالكم.