الإنجاز تلو الإنجاز ضمن برنامج واعٍ وتخطيط علمي دقيق هو سبب فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات؛ كون الإنجازات المتراكمة لمسها الشعب التركي وعايشها وشكلت درعًا وحصنًا قويًّا لأردوغان، ولم ينفع معها دعم أمريكا و"نتنياهو" وزعماء العرب الدكتاتوريين بالمليارات لحملات التشويه ضد أردوغان، ومحاولاتهم المحمومة لإسقاطه؛ فما يحزن ويغيظ "نتنياهو" تلقائيًّا يفرح الفلسطينيين ويسعدهم.
شاء من شاء، وأبى من أبى؛ فأردوغان الآن بات يمثل أنموذجا حيًّا وناجحًا لكل الشعوب والدول العربية والإسلامية المقموعة والمقهورة، وأن لا بديل عن التداول السلمي للسلطة، بعيدًا عن الحروب والقتل، وهدم المدن بأكملها والمنازل فوق رؤوس أصحابها، فصناديق الاقتراع هي الحكم، وهي من تحمي البلاد ومقدراتها وقياداتها، لا القتل، والتعذيب في السجون وملؤها بالمعارضين وزيادة عددها، والتفنن بقهر الإنسان لأخيه الإنسان.
وبعد أن أحكم كيان الاحتلال، وأمريكا، وأنظمة حكم عربية رجعية ودكتاتورية خططها لإزاحة أردوغان بوسائل ماكرة خبيثة كانت لتزول منها الجبال، بالتفجيرات الانتحارية والتشويه والطعن وبث الشائعات، وإنفاق المليارات، لإفشال تجربته الناجحة في الانطلاق بتركيا إلى مصاف الدول المتحضرة والقوية، ذات الأنموذج الخلاق والملهم، ولكل واحد منهم أسبابه للتخلص من أردوغان؛ باءت محاولاتهم جميعًا بالفشل الذريع، وصدم "نتنياهو" والسيسي والأسد، وآخرون، "لا تعلمهم الله يعلمهم".
ليس مطلوبًا من تركيا أن تسير الجيوش لتحرير فلسطين في هذه المرحلة العصيبة والمعقدة ذات الظروف الصعبة؛ فموقفها من فلسطين متقدم بدرجات كبيرة على دول عربية وإسلامية؛ فيكفي أن داود أوغلو خلال خطاب الفوز لم ينس فلسطين، وأكد أن المسجد الأقصى للمسلمين إلى الأبد، وهو خطاب يتبعه أفعال لاحقًا لدعم الشعب الفلسطيني.
ولو أمعنت النظر قليلًا وتفكرت في سبب اجتماع بعض الأنظمة على كره أردوغان لوجدت أن ما يجمعهم هو الظلم، وخشيتهم وجود أنموذج إسلامي حي، معتدل ووسطي ناجح، يكون مثالًا لبقية الدول الإسلامية المبتلاة بحكام طغاة، وظلمة.
الانتخابات التي أجريت أمس وفاز فيها أردوغان فوزًا مدهشًا صدم وأذهل كيان الاحتلال، ومن لف لفيفه؛ كونها تمثل وتعطي دفعة قوية ومصداقية للإسلام السياسي ذي القيادة الناجحة، علمية ومتطورة، غير متحجرة ومتكلسة، أخذت شرعيتها من صناديق الاقتراع لا صناديق الرصاص وتلال من الجماجم البشرية، كما السيسي والأسد.
وتكمن انعكاسات وارتدادات فوز أردوغان في عيون مسئولي كيان الاحتلال الذي أذله أردوغان، ففوزه يعني مواصلة الضغط لفك حصار غزة، وإجبار الاحتلال على الانصياع التام لمطالب تركيا بشأن مجزرة سفينة مرمرة، وزيادة دعم الفلسطينيين في مختلف الميادين داخليًّا وخارجيًّا وعلى مختلف المستويات، وقوة ودفعة معنوية كبيرة ومجانية لانتفاضة القدس المباركة.
وفي مصر انخرط إعلام السيسي في تشويه أردوغان، والآن هو في صدمة كما كيان الاحتلال؛ فالسيسي صوت لمصلحة كيان الاحتلال قبل أيام، وانتخاباته العالم يعرف ويعلم أنها مزيفة، بعكس انتخابات تركيا التي لم يستطع _ولا يستطيع_ أحد أن يشكك فيها.
وفوز أردوغان يعني دفعة معنوية كبيرة للمستضعفين والمظلومين ولـ"الإخوان المسلمون" في مصر، لتشابه الحالتين؛ فالسيسي كان يزعم دجلًا وكذبًا أن إرادة الشعب هي من دعته للانقلاب على الشرعية، وتريده رئيسًا للبلاد، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ كونه استباح البلاد والعباد وارتكب مجازر وجرائم حرب ضد البشرية بقتله 2500 في رابعة دفعة واحدة في يوم واحد فقط، وزور وفبرك انتخابات على مقاسه.
ما الفرق بين حكام العرب وأردوغان؟، أردوغان كان صريحًا مع شعبه في كل شيء، وكان لا يكل ولا يمل من العمل لشعبه، بعكس حكام العرب الذين يعملون ضد شعوبهم جهارًا نهارًا دون خجل أو وجل.
كيف لا يفوز أردوغان وهو قد حقق مطالب شعبه بالعيش الكريم واحترام الذات، والقوة والانطلاق إلى الأمام؟!؛ فقد سجلت تركيا بين 2002م و2012م أكبر نمو بين الدول، وكله بفضل أردوغان المخلص لشعبه.
لو خيرت الشعوب العربية المظلومة، وأتيح لها بحرية أن تختار ممثليها وقياداتها لاختارت دون تردد من هم أمثال رجب طيب أردوغان، كيف لا وهو زعيم وقائد مخلص متفانٍ، معارضوه ليسوا في السجون، ويحاججهم بالمنطق والأسلوب العلمي، ويغلبهم، صريح وواضح، يتخذ قراراته بطريقة علمية جماعية دون ارتجالية، ولا يقول لهم: "ما أريكم إلا ما أرى"، بل "ما ترونه أنتم مناسبًا"، ولذلك هو ينطلق ويتقدم ويزدهر، وسيبقى يغيظ أعداءه على الدوام.
في المحصلة والنتيجة النهائية بان كذب ودجل وضعف الباطل وانكشف بفوز أردوغان الباهر، وسيشكل ذلك تلقائيًّا دعمًا لقضيتنا الفلسطينية؛ فأردوغان يتعامل مع القوى الفلسطينية من المسافة نفسها، ويحترمها جميعها ويدعمها دون تفرقة، وهو الآن شوكة وغصة كبيرة في حلق الظلمة، أمثال "نتنياهو" والسيسي، ومن لف لفيفهما.