20.55°القدس
20.3°رام الله
19.42°الخليل
24.88°غزة
20.55° القدس
رام الله20.3°
الخليل19.42°
غزة24.88°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

قراءة في أسباب فوز "العدالة والتنمية" في تركيا

علاء الدين البطة
علاء الدين البطة
علاء البطة

منذ عام 2002م هذا هو السباق الانتخابي الحادي عشر لحزب العدالة والتنمية التركي الذي يفوز فيه ويحقق مفاجأة كبيرة ومهمة بخوضه تجربتين انتخابيتين في غضون أقل من ستة أشهر، الأولى كانت في يونيو الماضي إذ حصل الحزب على 41% من أصوات الناخبين، والثانية في الأول من نوفمبر الجاري وحصل فيها على 49.43%.

والمفارقة أنه في الانتخابات الأولى مُني الحزب بخسارة أو تراجع مقداره 8 نقاط انتخابية كانت السبب في حرمانه الانفراد في تشكيل حكومة وحده أول مرة منذ عام 2002م، مع الإشارة إلى أن الحزب كان يحتاج فقط إلى 18 مقعدًا برلمانيًّا ليشكل الحكومة بمفرده في الانتخابات السابقة.

بمهارة بالغة استطاع خوض هذه الانتخابات المبكرة، وتسجيل ضربة قوية ضد خصومه بحصوله على أكثر مما كان يتوقع الكثير من المتفائلين، إذ تمكن من العودة إلى وضعه السابق وتعويض النقاط الثمانية التي خسرها وزيادة، والحصول على 60 مقعدًا إضافيًّا وأكثر من خمسة ملايين صوت انتخابي في هذه المدة القياسية.
وهنا يتردد سؤال على ألسنة الجميع، وهو: من أين وكيف حصل حزب العدالة على هذا الدعم الشعبي الكبير؟

لا يستطيع أحد أن ينكر حجم الديناميكية العالية والتفاعل المستمر لحزب العدالة والتنمية مع قضاياه، وخصوصًا المحلية الوطنية، فبعد تراجعه المباشر في يونيو الماضي أعلن الحزب أن "رسالة الناخب التركي الاحتجاجية وصلت إليه"، وشرع فورًا في عمل دراسات ومراجعات، وتقويم التجربة، والوقوف عند جملة من الأخطاء التي وقع فيها الحزب ولابد من التعاطي معها والانتباه الجيد إليها، وكان من أهم تلك الخطوات:

1. التعاطي مع خيارات الناخب التركي البسيط الذي لا يعنيه موضوع الإصلاحات الدستورية، بقدر ما يبحث عن خطط فعالة ومُقنعة، وعن امتيازات تخاطب المصالح الاقتصادية الفردية للمواطن التركي الذي تأثر سلبًا بعد موقف تركيا المُساند تمامًا لقضايا اللاجئين، ويتضمن ذلك مزيدًا من الإصلاحات الاقتصادية، والحوافز المادية، مثل: تخفيض الأسعار، وزيادة الأجور، وتوفير مزيد من فرص العمل والمنازل للفقراء، وبالفعل أطلق الحزب وعودًا انتخابية تراوح قيمتها بين 20 و30 مليار دولار أمريكي، مستهدفًا هذه الشريحة المهمة، وكانت النتيجة واضحة إذ استقطب ما يقارب مليوني شخص من المواطنين الأتراك.

2. استيعاب التخوفات لدى المعارضة التركية ولدى الشارع من المس بالحالة الديمقراطية في البلاد، التي أثارتها المعارضة بالتخويف من تحويل النظام السياسي التركي من النظام البرلماني إلى النظام شبه الرئاسي، وهي المادة التي استغلتها المعارضة في الإساءة إلى حزب العدالة، واتهام أردوغان أنه لا يريد الخروج من الحكم في تركيا، وأن هذا النظام يسعى لتكريس الديكتاتورية، ولذا إننا لاحظنا بعد انتهاء انتخابات يونيو تخفيفًا كبيرًا بل عدم تعاطٍ في التصريحات السياسية، التي تتحدث عن إصلاحات دستورية تفضي إلى تحويل نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي أو شبه الرئاسي.

3. سياسة الحزب الجديدة التي اتجهت نحو استقطاب المزيد من التأييد من الأوساط القومية في تركيا، التي ترى حزب العمال الكردستاني عدوًّا لا يمكن السلام معه نهائيًّا، خاصة بعد أن اندلعت المواجهة مع حزب العمال الكردستاني في إبريل 2015م، إذ نجح حزب العدالة في إقناع ابن مؤسس الحركة القومية المعارض النائب عن الحزب في العاصمة أنقرة طغرل تركش بالانضمام إلى حكومة تسيير الأعمال التي يقودها أحمد داود أغلو، وعينه نائبًا لرئيس الوزراء، مع رفض الحركة القومية لهذا الانضمام، وسحب عضوية النائب من الحزب، وهذا ما أدى إلى الاستفادة من الكثير من أصوات القوميين في الانتخابات بصورة واضحة، وبدا ذلك واضحًا في تراجع حضور الحزب بنسبة كبيرة زادت على 4% وأكثر من مليون صوت انتخابي يمثلهم 40 عضوًا في البرلمان الجديد.

4. ممارسة مزيد من الضغوط على حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الحصان الرابح في الانتخابات السابقة، وممارسة مزيد من الضغوط عليه، أبرزها التهديد بحظر نشاط الحزب ومنع قادته من العمل السياسي، وذلك بتقديمه على أنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردي بقيادة عبد الله أوجلان المصنف إرهابيًّا في تركيا، خاصة بعد أن اندلعت المواجهة مع حزب العمال الكردستاني في إبريل، فضلًا عن ممارسة المزيد من الضغوط على “الإسلاميين الأكراد” الذين انتقلوا من دعم "العدالة والتنمية" إلى "الشعوب الديمقراطي" في الانتخابات الماضية، فاستجاب لهم بتغيير الكثير من الأسماء غير مقبولة لديهم على سبيل كسب ولائهم، وهذا ما أدى بالمجمل إلى تراجع واضح في شعبية الحزب بلغ ثلاث نقاط ونحو مليون صوت انتخابي يمثله 25 عضوًا في البرلمان.

5. الاستجابة لكثير من مطالب حزب السعادة والتحالف مع الجزء الأكبر منه، وهذا ما منح حزب العدالة والتنمية ما يزيد على 700000 صوت إضافي من أصوات حزب السعادة في هذه الانتخابات، مع أن هذه الأصوات كانت تكفيه للفوز وتشكيل الحكومة في انتخابات يونيو الماضي إذ كانت مفاوضات التحالف بين الحزبين وصلت إلى طريق مسدود.

6. ترتيب الوضع الداخلي للحزب في المؤتمر العام الخامس في شهر سبتمبر 2015م بالاستجابة لمطالب العديد من قيادات الحزب، التي كان أهمها إلغاء قرار أردوغان السابق منع ترشح كل من مَرت عليه ثلاث ولايات متتابعة، وهو ما أدى في انتخابات يونيو إلى استبعاد عدد كبير من القيادات المؤسسة والتاريخية للحزب، مثل: (بولنت أرينتش وعلي باباجان وبشير آتالاي) وغيرهم، وهو ما أفقد الحزب أكثر من مليون صوت من أبناء ومؤيدي الحزب الذين قاطعوا حزب العدالة في الانتخابات الماضية إما بالتصويت الاحتجاجي للقوميين والأكراد، أو البقاء في بيوتهم.

يمكن القول: إن تجربة حزب العدالة والتنمية تجربة رائدة ومهمة وتستحق البناء عليها، وتمثل أنموذجًا ومصدرًا للإلهام لدى الكثير من حركات وقوى الإسلام السياسي في الإقليم، وخصوصًا في المنطقة العربية، ولكن يجب على الحركات الإسلامية دراسة تجربة حزب العدالة التركي بعمق وتجريدها من النواحي كافة، ما يمكنها من الاستفادة الحقيقية التي تتطلب إجابات واضحة في مدى قدرة هذه الأحزاب على تقديم نماذج حقيقية في الديمقراطية، والتدوير، وكيفية شغل المناصب، وتمثيل الشباب والمرأة، ومدى القدرة على تحقيق مطالب المواطنين بتجرد وحكمة.