25.55°القدس
24.58°رام الله
24.42°الخليل
26.51°غزة
25.55° القدس
رام الله24.58°
الخليل24.42°
غزة26.51°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

(إسرائيل)..وَجْه استِعماري قَذِرٌ فِي خِرْقةٍ تُلمودِيَّةٍ!

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)
حقاً، لقد شهدت فلسطين كرتين متناقضتين لأمة واحدة (بنو إسرائيل)، مرة يوم كانت مُفضلة على العالمين، فعلت بالحق وبحبل الله المتين، ومرة وقد انقلبت عن الحق فأضلها الله على علم، فقام لها كيان بغي (إسرائيل) بحبل من الناس (المستعمرون).

نعم، على أرض فلسطين كانت البداية وعلى أرضها ستكون النهاية لأمة حفل القرآن الكريم بذكرها في كل مراحل تخلقها وتقلبها في البلاد، وتحولها من التيه إلى الرشاد، وانقلابها من الهداية إلى العناد.

فمنذ كانت البشارة بـ"اسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب" عليهما السلام، ومن يعقوب (إسرائيل) جاء الأسباط "الاثنى عشر"، وقد نزغ الشيطان بينهم ليغيبوا أخاً لهم من أبيهم (يوسف عليه السلام)، فيلقى في غياهب الجب؛ ليخلوا لهم وجه أبيهم، ويكونوا من بعده قوماً صالحين..!

وهكذا تبتدئ الحكاية.. وقد جاؤوا أباهم بدمٍ كذب وهم يبكون بعد أن سولت لهم أنفسهم قتل أخيهم، ورموا بفكهم على ذئبٍ لم يكن حاضراً.. فسلط الله عليهم الفقر والفاقة، ليقعوا صاغرين وهم يحملون بضاعة مزجاة بين يدي أخيهم الكريم الذي عرفهم وهم له منكرون، وقد ولَّاه الله خزائن ملك مصر.

فأدخلهم مصر آمنين وقد جاء بهم من البدو من أرض كنعان، ورفع أبويه على العرش، وقص عليهم القصص (تأويل الرؤية بالحق) يوم رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رآهم له ساجدين.

(2)
وبقوا في كنف مُلك أخيهم بأرض مصر إلى أن أرسل الله موسى عليه السلام بالحق إلى فرعون وملأه ليهديه ويرسل معه بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة، وقد أمرهم الله أن يدخلوها منيبين، ولكنهم أذعنوا لجبنهم من أن يواجهوا قوماً جبارين؛ فتنصلوا عن تكليف ربهم، وقالوا لنبيهم: "اذهب أنت وربك فقاتلا، إننا ها هنا قاعدون!".

وكيف، لا؟ وقد أشربوا في قلوبهم العجل (الذهب) فعبدوه من دون الله، وهكذا حرم الله عليهم الأرض المقدسة أربعين سنة يتيهون في الأرض؛ ليقضي جيلٌ كاملٌ في صحراء سيناء، فيخرج الله من أصلابهم أمةً طائعةً لله منيبة إليه، يقودهم نبي الله "يوشع بن نون" إلى حيث الأرض المقدسة، وقد تجبر أهلها (الكنعانيون) بغير الحق، فاتخذوا من دون الله آلهة أخرى.. "أتتخذون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين؟!".

وهكذا مكَّن الله لأمة بني إسرائيل في الأرض المقدسة؛ ليحكموا بين الناس بما أنزل الله ويهدون إلى الحق وصراط مستقيم، فآتاهم الله ملكاً لم يؤته أحداً من العالمين، وجعل ملوكهم أنبياءً. 

إلى أن انقلبوا عن دينهم الحق، وانسلخوا من آيات ربهم، وقتلوا أنبياءهم وقدموا رأس يحيى قربان لبغاياهم؛ فسلط الله عليهم من يسومهم سوء العذاب (السبي البابلي) وضرب عليهم ذُلاً، وألبسهم الخوف والشقاء فجعلهم شيعاً متفرقين...

(3)
واليوم وبعد قرون عديدة قامت في الأرض المقدسة لأمة يهود دولة أسموها (إسرائيل)، ولكن هذه المرة بحبل من الناس بعد أن قطعوا حبل الله، وقد استجابوا لأمر المستعمرين، بأن يكونوا لعنة لأمة الإسلام التي ما فتأت أن أحاطتهم بكل ألوان الرعاية والعناية.

نعم، لم تكن لتقوم (إسرائيل)، لولا أنها كانت أحد مقررات "وثيقة كامبل" التي تشكل الجذر الاستعماري الغاشم في تفتيت العالم العربي والإسلامي، وإبقائه في أدنى دركات التطور والرقي إلى أطول أمدٍ مُمكن.

ولكنني أجد من المهم قبل التطرق لأبرز ما جاء في تلك الوثيقة أن ألفت إلى الرَّحى التي تدور في محورها العقلية الغربية (المنفعة المادية)، كعقلية براغماتية لا تقيم وزناً لقيمة ما لم تترجم لمصلحة مادية كمية.. فالمنفعة المادية هي مدار احترام القيمة وجوداً وعدماً، فبالقدر الذي توجد فيه المنفعة (الغاية) تُقدُّر القيمة (الوسيلة) وتأخذ أهميتها (الغاية تبرر الوسيلة).

وليس أدل على ذلك من قيمة (الديمقراطية) فهي عندهم بمكان، حيث يتحقق منها المصلحة، وإن تعارضت معها مصالحهم تنفى من الأرض ويحاط بنتائجها، والشواهد على ذكر أكثر من أن تحصى في هذا المقال.
إذن، لم يكن التفسير الديني مبرراً لقيام (إسرائيل) كعقيدة دينية يؤمن بها الغرب، فهذا بعيدٌ عن الواقع؛ لأن النصوص الدينية في عهدها القديم والجديد، لم تنزل على أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر، وقد شهدت هذه القارة إذلال اليهود واضطهادهم من الإنجيليين أنفسهم وهذه النصوص قائمة بين أيديهم.

(4)
غير أن الحقيقة التي تبرر إعادة الاعتبار للنصوص الدينية الانجيلية المحرفة في قيام (مملكة إسرائيل) في أن يكون قيامها مصلحة استعمارية بحتة، وهذا ما أكدته (وثيقة كامبل)، وهي تنسب لرئيس وزراء بريطانيا "هنري كامبل بنرمان"، وقد كانت تتويجاً لمؤتمر انعقد في لندن سنة 1905 واستمرت جلساته عامين كاملين حتى 1907، وقد تقدم بفكرته حزب المحافظين البريطاني لحزب الأحرار الذي كان حاكماً، فتبناه رئيس الوزراء المذكور ودعا إليه خمس دول استعمارية أوروبية (فرنسا، وايطاليا، وبلجيكيا، واسبانيا، هولندا).

حوت تلك الوثيقة بنودًا محورية، أهمها تقسيم العالم إلى فئات، لنكون نحن العرب والمسلمين الفئة الثالثة، وهو ما يسمى بـ (العالم الثالث)، وكان وفقاً لمقررات كامبل أنه يجب أن يبقى بعيداً عن امتلاك التقنيات الحديثة لخطورة هذا العالم على بقاء أوروبا في علوها في الأرض؛ لما يمتلكه أهل هذه المساحة من منظومة قيمية تستطيع أن تهدد أوروبا، وقد فعلت ذلك من قبل (الأندلس، والفتح العثماني).

وقد تضمنت الوثيقة في أحد مقرراتها بوجوب محاربة أي توجه وحدوي لشعوب هذه المنطقة الذي يربطه دين واحد ولغة واحدة وتاريخ مشترك، ولتحقيق منع الوحدة وخلق الفرقة والتنازع قرر المؤتمرون: أن تقام دولة في فلسطين (إسرائيل) فتكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادٍ لمحيطه يفصل الجزء الإفريقي من المنطقة عن الجزء الآسيوي جغرافيا وثقافياً واقتصادياً، وتكون صديقة للغرب قريبة من قناة السويس. 

وعلى إثر هذه الوثيقة كان اتفاق (سايكس- بيكو) سنة 1916 الذي قضى بتقسيم العالم العربي إلى أقطار متنازعة، ثم كان بعده بسنة وعد بلفور 1917 وهو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، في إقامة كيان قومي لليهود في فلسطين، ثم بعد سنتين انعقد مؤتمر "سان ريمو" 1919 الذي مهَّد لانتداب فلسطين، ثم كان القرار الدولي لتقسيم فلسطين (181) سنة 1947، وبعد سنتين تم الاعتراف بـ (إسرائيل) كعضو يحمل رقم (59) في المنظومة الدولية سنة 1949.

وهكذا تخلقت (إسرائيل) في مراحل وأطوار استعمارية بحتة، استخدمت النصوص التلمودية المحرفة كخرقة يتستر خلفها هذا الكيان المسخ. 

فالحركة الصهيونية إذن والذي وقف على رأسها الصحفي العلماني المغمور "هرتزل"، لم تكن غير أداة استعمارية امبريالية غربية، ساقت اليهود باسم الدين والوعد الإلهي إلى فلسطين ليس لتحقيق نبوءة دينية إنما لتنفيذ مقررات المستعمرين الأشرار.

(5)
ولكن أي مستقبل سيحيق بهؤلاء شذاذ الآفاق (الصهاينة) وهم يعيثون فساد في عقر دار أمة (الإسلام) التي جعلها الله شاهدة الأمم وشمس الحقيقة..؟! وإنه لم يعد السؤال متى سينهي هذا الإفك (إسرائيل) وقد استنفذ كل مقومات بقائها، وأضحت عالة على من أوجدها (حبل الناس)؟. 

أجل، لقد انكشفت حقيقة هذه الألعوبة وهي تفشل مراراً وتكراراً في كل مواجهة حقيقية مع شعب مصمم على البقاء في أرضه، يواجه أساطيلهم بإرادة لم يتطرق إليه شك بأنها منتصرة، ولم يعترها وهن وإن اصطف معها من تسوقوا بأنهم أعداء لـ(إسرائيل).

ولكن السؤال برسم الجواب.. مَنْ سيتحمَّل جريرة حتف اليهود مرة أخرى في نار الشرق بعد أن أحرقوا- كما يزعمون- في نار الغرب؟ أم أنه قدر الله لنشهد وقدرته في تتبير ما علوه في الأرض تتبيراً..؟!

هذه حقائق أُدونها للتاريخ، عساها أن ترشد كل من أراد من أبناء أمتنا أن يمخر في بحر السياسي اللجي؛ ليكون شاهداً بالحق، لا تجرفه تيارات أساطير التضليل.