أعرف أن نتائج استطلاع الرأي العام التي نشرها المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي أمس, قد طمأنت البعض إلى رغبة الأغلبية باستقالة محمود عباس (47.8%)، وإلى عدم رضا الأغلبية عن أدائه (58.9%)، ومعارضة (56.1%) لسياساته في الوصول إلى حل سياسي بالطرق السلمية، وإلى تأييد (50.4%) لحدوث انتفاضة ثالثة، وإلى معارضة (62.3%) للعودة إلى المفاوضات مع الإسرائيليين.
إن النتائج السابقة –وغيرها– وإن أظهرت توجهات الغالبية نحو تيار المقاومة والمعارضة لعباس وسياساته، إلا إنها أظهرت وجود نسبة معتبرة من أبناء الشعب الفلسطيني، ربما زادت عن الربع أحياناً، ما زالت ترى صوابية المسار الذي سلكه عباس. وحتى لو قيل إن هذه النسبة تمثل جمهور حركة فتح، الذين انتخبوا عباس ويؤيدونه في كل سلوكه، فإن هذا يعني أنه لا خطوط فاصلة بين الحق والباطل في نظر أكثر من 40% من المستطلعة آراؤهم، نصفهم مؤيد لسياسات عباس ونصفهم أو أقل يقف على الحياد. ولهذه النسب دلالاتها:
1- لا يظهر لهذه النسبة المعتبرة من الجمهور مدى الأخطاء والأخطار الجسيمة التي ألحقها عباس بالقضية الفلسطينية.
2- تاهت لدى هؤلاء معاني الوطنية، فأصبح الحق باطلًا والباطل حقًا، أو أن بعضهم لا يعرف الحق من الباطل فالتزم الحياد.
3- تتحمل حركة حماس أولاً ثم سائر فصائل المقاومة ثانياً، ثم المثقفون الوطنيون ثالثاً المسئولية عن استمرار حالة الضبابية في التفكير والرؤية لدى قطاع معتبر من أبناء شعبنا، واستمرار الجهل بأبعاد القضية، وبالمؤامرات التي تُحاك ضدها، وعدم القدرة على تمييز المواقف الوطنية وتغليبها على القضايا الحياتية.
4- بالتأكيد لا يمكن، وغير متوقع، أن يُجمع الناس على قضية ما، إلا أن القضايا الوطنية التي تمس الثوابت، وتتعلق بالاحتلال وسياساته ينبغي أن تكون محسومة إلى حد كبير لدى أبناء شعبنا. وإن عدم الوصول إلى هذا الحسم وهذا التمايُز يؤخر فرصنا في التغلب على عدونا وتحقيق الانتصار والتحرير.
5- إن مشروع تحرير فلسطين يمر أولاً بوعي أبناء الشعب الفلسطيني تحديداً بحقوقهم ورفضهم المطلق لأي تفاهمات على حسابهم مهما كان الثمن الذي سيدفعونه لقاء تمسكهم بمبادئهم وثوابتهم.
6- إن أي قيادة لا تلتزم بحقوق وثوابت شعبها فهي لا تمثله. وإنّ حصولها على نسبة معتبرة من تأييد الشعب لا يعني سوى قدرتها على الكذب والتدليس واستخدام أدوات غير شريفة في الالتفاف على شعبها وتطلعاته.
7- من المفجع حقاً أن تفشل المفاوضات الفلسطينية (الإسرائيلية) على مدار 25 سنة في تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، ثم نجد أكثر من ربع الشعب لا يزال مؤمناً بها وينتظر من الجمل أن يلد فأراً.