كثيرة هي المساجد والمآذن والمدافع والجسور وغيرها من المعالم الإسلامية في أوكرانيا -وخاصة في القرم المحتل من قبل روسيا حاليا- والتي تروي تاريخ حضارة مدينة دامت عدة قرون ولاية تابعة للدولة العثمانية في أجزائها الشمالية.
وتشهد صفحات قليلة من التاريخ أن النفوذ العثماني وصل إلى أبعد من القرم في عمق القارة الأوروبية، ومدينة "كامينيتس بودولسكي" شاهدة على ذلك كواحدة من أقدم مدن الغرب الأوكراني.
الجزيرة نت زارت المدينة وغيرها من المدن الواقعة في مقاطعة "خميلنيتسكي"، فوجدت تاريخا يشهد على حقبة لا يعرفها كثيرون، كان للعثمانيين فيها كبير الأثر في الحضارة والعمران.
لا يزال الجسر الذي بناه العثمانيون بين المدينة وقلعتها التي سكنها "الوالي" كما حدثنا دليل سياحي، وهو يحمل اسم "الشارع التركي" إلى يومنا هذا.
يقول الباحث في تاريخ القرم والمنطقة أمين القاسم "خلال الحرب البولندية العثمانية (1672-1676) وقعت "كامينيتس بودولسكي" تحت الحكم العثماني يوم 27 أغسطس/آب 1672".
ويقول القاسم للجزيرة نت إن "الأتراك بنوا الجسر من الحجر، ورمموا القلعة محولين بعض أبراجها من الشكل الخماسي إلى الدائري، وبنوا في المدينة وما حولها تسعة مساجد".
ويضيف أن "المدينة كانت تحرس بمئتي مدفع عثماني وضعت على أسوار القلعة، وبهذا تحولت المدينة إلى واحدة من أقوى الحصون العثمانية".
انسحب العثمانيون من المدينة عام 1699 بعد توقيع معاهدة "كارلوفيتس" التي أنهت الحرب العثمانية النمساوية، وبذلك دخلت المدينة تحت حكم الكومنولث البولندي الليتواني بعد أن حكمها الأتراك 27 عاما، ورجع مسلمو المدينة من الأتراك إلى تركيا، ثم ضمت المدينة إلى روسيا القيصرية عام 1793.
المئذنة اليتيمة
يغلب الطابع الديني المسيحي على المدينة اليوم، وتكثر فيها الكنائس الكاثوليكية، لكن أبرز ما بقي فيها حتى يومنا هذا مئذنة يتيمة، واللافت فيها أنها باتت جزءا من كاتدرائية "كرسي الرّسل بطرس وبولص".
يقول القاسم "في العام 1672 حوّل الأتراك الكنيسة إلى مسجد حسب الرواية الأوكرانية. وذكر بعض المؤرخين أن المسلمين سمّوه مسجد السلطان، وبنيت له مئذنة من الحجارة ما تزال قائمة حتى يومنا هذا".
وتابع أنه "بعد خروج العثمانيين وعودة البولنديين، أزيلت كثير من المظاهر الإسلامية لمسجد السلطان، ووضع المطران نيقولاس ديمبوفسكي في أعلى المئذنة تمثال السيدة العذراء، ثم خضعت المئذنة للترميم عدة مرات، فتغير بابها الرئيسي، وطمست نقوش قاعدتها الإسلامية".
منبر التوحيد
وعلى بعد مئات قليلة من الأمتار ثمة كنيسة أخرى يميّزها وجود منبر من الرخام الأبيض، مكتوب على مقدمته عبارة التوحيد "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".
الراهبة لودميلا قالت للجزيرة نت إن هذه الكنيسة كانت مسجدا بنته زوجة السلطان، لكنه تحول بخروج العثمانيين وبقي فيه المنبر الذي تنقل من مكان إلى آخر، لكنه أعيد إلى الكنيسة بعد استقلال أوكرانيا كجزء من تاريخ المدينة والمنطقة.
ويرى الباحث أمين القاسم أن 27 عاما من حكم العثمانيين كانت فترة قصيرة، لكنها "تركت طابعا شرقيا جميلا يمتزج مع نمط العمارة الغربي، وأبقت آثارا تظل شاهدة على تواجد المسلمين في هذه الأرض، واهتمامهم بالعمارة والذوق والجمال، كالمنبر والمئذنة اليتيمة"