على أنقاضِ بيتِه التي دمرته الطائرات الإسرائيلية، يُرسُلُ كلماتِه، ليغازلَ بها حدودَ وطنه السليب، يرسمُ صورةَ الوجع، ويداعبُ بحرَ غزة، وميناء حيفا، وسهول يعبدَ، وجبال الخليل، طموحُه يصل حد السّماء، فابن التسعة عشر عاماً، يتمنّى أن يصبحَ شاعراً كبيراً لوطنه الحبيب، يُوصف جمال جباله، وهدوء سهوله، وهدير بحره، وشهامة أهله.
بينِ أنقاض حي الشجاعيّة المدمّر، بفعل العدوانِ الهمجي على قطاع غزة، في صيف 2014، يسيرُ حاملاً دفتره وقلمه، يستمّد من الأرض قوةً، ومن السّماء علواً ورقياً، ومن الصعوبات المحيطة تحدياً نحو الوصولِ إلى هدفه.
صعوباتٌ جمّة، وحواجز وعثرات في طريق الشعر، وقفت أمام طريقه، لكنّه أبى إلا أن يواصل الطريق، في كتابة شعره، رغم المعيقات الكبيرة، متسلحاً بإيمانِه وحبّه لأوطانه، وعشقه لكلماته.
تجاوز الألم
بعلاماتٍ حيرةٍ على وجهه، وبحزنٍ ملأ عينيه البريئتين، يقول عبد الرحمن محمد هاشم الحدّاد، لـ "فلسطين الآن"، أحلمُ أن تصلَ كلماتِي إلى العالميّة، رغم الصعوبات والمعيقات المحيطتان بي، هُدم بيتنا عام 2014 كليّا، تشردت العائلة، أخرجنا من بيوتنا، عشنا الألم والوجع، لكني مصرٌ على المواصلة والنهوض من جديدٍ".
" لقد دمّر الاحتلالُ، بعضاً من طموحاتِي، وتعرّض مكاني المفضل للكتابة إلى القصف، فلقد كنت أتنسم من عبير الورد الجوري، كلماتٍ جميلة، وكانت أشجار الليمون المحيطة بذلك المكان، تعطيني شعوراً من الحب والأمل".
وبيّن "الحدّاد" أنه يكتبُ شعراً، لأصدقائه الأوفياء، الذين ساندوه في السّراء والضراء، وكانوا له عوناً على تجاوز أزماته وحزنه، كما انه لم ينسَ وطنه الحبيب فلسطين، فكتبَ للقدسِ والأقصى والمقاومة وانتفاضة القدس.
انتفاضة القدس
يخفقُ قلبُه، وتنتفضُ روحُه، وتلتهب حنجرته ناراً، مساندة ودعماً لانتفاضة القدس، التي هزّت عروش "إسرائيل" وجيشها ومستوطنيها، صارخاً في وجهِ الاحتلالِ وجبروته، "لن نرضى بظلمٍ ... لن نجعل الموت مصيرنا .. والقبرَ"
سنكتب بأيدينا القدر
سنحرق...سنفجر...
سننتصر...
لن نرضى بظلم
لن نجعل الموت مصيرنا
والقبر...
نحن شعب
عليه الجهاد قد قدر
سيقف كل شيخ
كل طفل
كل شاب
كل امرأة
كل فتاة
يحملون رايه النصر
حتي بزوغ الفجر
سنكتب بأيدينا
أمجادا عبر التاريخ
لم تذكر...
يا أمة محمد
نحن شعب فلسطين
صامد للأبد لن يقهر
سنجعل من الشجر
من الحجر
جندا يختلف عن البشر
سنجعل من الأطفال
أسودا يختلف عن البشر
لن نهاب الموت
اننا نبحث عما هو اكبر
اسمعنا ايها العالم
لن نناديكم خوفا
ولكن....
كي تشهدوا علي نصرنا المظفر
أننا أيها العالم
اليوم علي اعدائنا سنظهر
وسنروي بدمائنا
الورد والفل والزعتر
أننا أيها العالم
شعب لن يدمر
سنكتب بأيدينا امجاد شعب
بالمسك والعنبر
لن نهاب الموت
فكل شبل لأجل فلسطين
إن مات شهيدا
كالوردة الجورية سينبت ويزهر
أملٌ صاعِدٌ
ويأمل "الحدّاد" أن يجد كتاباته يوماً في كتابِ شعر، يصلُ لكل الآفاق، متمنياً أن تهتم وزارة الثقافة بالشعراء والكتاب الصغار، لتصنع جيلاً مثقفاً، قادراً على المنافسة في المحافل العربية والدولية.
وتمنّى الشاعرُ أن يعودَ إلى منزله في حي الشجاعية، بعد إعماره، ليواصل كتاباته من المكان الذي بدأ منه قبل خمس سنواتٍ، ليغازل زهر حديقته، ويستمتع بزقزقة عصافيرِ بيته، ويغرّد من جديد، بعد أصمتُه الوجه، ومناظر القتل والدّمار في الحي الذي ترعرع فيه، ونشأ على العلمِ والشجاعة والإيمان.