27.22°القدس
26.7°رام الله
26.08°الخليل
27.7°غزة
27.22° القدس
رام الله26.7°
الخليل26.08°
غزة27.7°
الأربعاء 09 أكتوبر 2024
4.93جنيه إسترليني
5.31دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.13يورو
3.76دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.93
دينار أردني5.31
جنيه مصري0.08
يورو4.13
دولار أمريكي3.76

كيري وسياسة الإطفاء الفاشلة

عبد الله العقاد
عبد الله العقاد
عبد الله العقاد

(1)
قد برعت أمريكيا في إشعالها الحرائق عن طريق جهازها الاستخباري (C.I.A) في أنحاء المعمورة، طوال مدة علوها في الأرض بغير الحق وشهودها العالمي، بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في منتصف القرن الماضي؛ فهي لم تحل ديارًا إلا وجعلت أعزة أهلها أذلة.

وفي تبادل محكم منها للأدوار بين من يشعل الحريق (البنتاغون) ومساعي الإخماد (البيت الأبيض) الموجهة نحو قصد الفشل أو الإفشال؛ تنطلق أفاعيها في حلتها الدبلوماسية تستحصد ما تنتجه النيران المشتعلة مما تتطلب من حاجة للسلاح والأموال والمواقف، وكل تلك الأمور التي تعرضها الإدارة الأمريكية بما يقابلها أثمان سياسية ومصالح اقتصادية تجنى من هذه الحروب المسعرة بأذرعها الأمنية.

فهذه الحروب غالبًا ما تُخاض بالوكالة عنها بأدوات مستأجرة، غير قليل منها تتورط فيه أمريكا بالأصالة عن مصالحها، كما شهدنا ذلك في الصومال وفيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها.

وهكذا كانت دومًا تحرص الإدارة الأمريكية على تعقيد المشكلات الخارجية مع الإمساك بمقاليدها، وذلك على النحو الذي تنتفع هي به، ولم تسع جادة في حل أي منها إلا إذا أدركت أن في حلها ما يصب في مصالحها، أو أن بقاءها مشتعلة يمكن أن يستفيد منه خصومها على أي نحو.

(2)
وهذا ما نراه جليًّا في الجولتين المكوكيتين لذراع الإدارة الأمريكية الدبلوماسية (وزارة الخارجية) لوزيرها (جون كيري) في غضون أسابيع قليلة في إطار المساعي المحمومة؛ لإخماد لهيب النيران التي تشتعل في الأراضي الفلسطينية وما تشهده الضفة الغربية والقدس من تصاعد مستمر وتزايد مطرد في مواجهة ممارسات الاحتلال العنصرية، بانتفاضة شعبية تنتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم، وهي تتدحرج في ثبات على نحو يعمق قوتها، ويزيد من قدرتها على الفعل المؤثر.

فإن ما نشهده من تصاعد في مسار الفعل الثوري والتصعيد في المواجهة مع الاحتلال لابد أن يتعزز؛ لما نجده من تكرار مشاهد القتل العمد للمواطنين الفلسطينيين العزل عن سبق إصرار وترصد من جنود الاحتلال وميليشياته المسلحة (قطعان المستوطنين).

وذلك في تجسيد واضح لإرهاب الدولة الذي تمارسه اللقيطة (إسرائيل)، دون خشيتها ملاحقات قضائية أو إجراءات عقابية؛ لأنها ترى كيانها أنه محصن ضد تلك العناوين المحملة بالمضامين الإنسانية أو الحقوقية، التي توظف جميعًا توظيفًا سياسيًّا موجهًا بملاحقة المناوئين لسياسات ومصالح الدول الكبرى.

وما زالت ترى دولة الكيان العبري (إسرائيل) أيضًا أنها تمثل مصلحة راجحة للدولة الاستعمارية الإمبريالية الكبرى (أمريكا)، وكل من يدور في فلكها من الدول الأوروبية، وما هو مستعمل من أدوات الفعل السياسي من أنظمة قائمة فيما يسمى "العالم الثالث".

(3)
فلا غرو أن ينشغل (أوباما) في البيت الأبيض بما يواجهه الكيان (إسرائيل) من ثورة حقيقية في ثوب الانتفاضة الثالثة، يقودها الشعب الفلسطيني المعروف عنه القدرة الفائقة على تسخير كل ما يقع تحت يديه ليجعل منه مادة فعل ثوري يؤذي الاحتلال الغاصب لأرضه منذ أكثر من ستة عقود ونصف العقد.

نعم، يأتي كيري بعد جولته الأولى التي وضع فيها مهام عمل واضحة فيما سمي "تفاهمات كيري"، لعلها تخمد النار المتقدة في حطام الواقع الذي يخلفه الاحتلال، فكان مما حوته تلك الوثيقة حظر الحركة الإسلامية التي يتزعمها الشيخ رائد صلاح، وأوكلت مهمة ذلك إلى حكومة الاحتلال التي ترجمته في بحر الأسبوع المنصرف في قرار صدر متعجلًا بصبغة سياسية.

فلم يستطع جهاز الأمن الإسرائيلي (شاباك) أن يجد له مسوغًا أمنيًّا، بل حذر من تلك الخطوة التي ستنعكس سلبًا على الحالة الأمنية وتخدم حالة الارتباك الذي يعانيه كيان الاحتلال في الداخل (48)؛ لما تتمتع به الحركة الإسلامية من ثقل جماهيري كبير.

وكان كذلك مطلوب من جانب حكومة الاحتلال إبقاء الوضع في المسجد الأقصى على ما كان عليه قبل مساعيها الأخيرة الرامية إلى تقسيم المسجد الأقصى زمانيًّا ومكانيًّا، وأعطيت حكومة الاحتلال حق الإذن بالدخول إلى الحرم القدسي الشريف والمنع، لترصد كل ذلك كاميرات تشرف عليها سلطات الاحتلال.
هذا من جملة ما تفاهم عليه من التقاهم كيري في جولته السابقة بالعاصمة عمان.

(4)
وها هو (كيري) يعود بعد شهر من تلك التفاهمات التي لم تغير في واقع الأمر بما يمكن أن يخمد الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثالثة، بل هي في تصاعد في الفعل وقوة أكثر في الأداء.

وفي المقابل عجز واضح من قوات الاحتلال عن فرض حالة الأمن أو تثبيت الجبهة الداخلية المتداعية، وانعدام أثر الوصاية المدعاة على الحرم من العاصمة التي جمعت الأطراف، غير حالة التردي في كل المستويات للسلطة في رام الله، بعد انعدام مسوغ وجودها حلقة انتقالية تعبر بالشعب الفلسطيني إلى الدولة المنتظرة، وقد غابت الأرض الموعودة في غابات الوحدات الاستيطانية المنتشرة كالسرطان في الضفة الغربية.

نعم، يعود (كيري) ولايزال المرابطون والمرابطات في صمودهم وثباتهم في كل ساحات المسجد الأقصى؛ لأنهم لم يكونوا يومًا وكل فلسطينيي الداخل المحتل حالة يخلقها قانون احتلالي حتى يرتهنوا في بقائهم لهذا القانون أو من أوجده.

فإذا كانت إدارتك قد أرسلتك _يا (كيري)_ في مهمة إطفاء تتقصد فيها الفشل فلا بأس أن تبقى في تلك الحلقات الفارغة تدور، وإن كانت إدارتك مهتمة فعلًا فلتجد حلًّا عادلًا (وما هي كذلك)؛ فإن العناوين التي تتوجه إليها جميعًا خطأ؛ لأنها ليست لها محل في جملة الفعل الثوري، فهي بلا وزنٍ ولاعتبار عند الفاعلين الحقيقيين (الثوار) في المسرح.

ولكن كما هو واضح لكل المتابعين إن المهام التي تُكلف بها أدوات النصب السياسي لن تكون غير ممارسات احتلالية جديدة، والشعب الفلسطيني تمرَّس على مدار عقود طويلة من الاحتلال على تجاوز هذه الممارسات بقدرة فائقة، والتعامل معها بما تحمله من صنوف مختلفة وأساليب متنوعة. 

(5)
فالسؤال الرئيس برسم الجواب: إلى متى ستبقى إدارة البيت الأبيض تتجاهل الحقائق وتتنكر للفاعلين الوطنيين، في الوقت الذي تظن أنها في منأى عن النيران التي تشعلها في منطقتنا؟

ولكن ما يجب أن يعيه كل (نيرون) يحل في البيت الأبيض أن الثوار الفلسطينيين لا يريدون إلا وطنهم، ولا يريدون إلا العودة إلى ديارهم بعد غربة طويلة عانوها في مخيمات الشتات، في الوقت الذي يقتات بخيراتهم شذاذ الآفاق، وأن الثائرين الوطنيين سيقتحمون كل العقبات، وسيتجاوزون كل العراقيل وهم يواصلون ثورتهم بكل ما تيسر لهم حتى ينجزوا التحرير الكامل، وينهوا آخر احتلال عنصري غارق في تزييف الحقائق.