18.02°القدس
17.74°رام الله
16.64°الخليل
22.81°غزة
18.02° القدس
رام الله17.74°
الخليل16.64°
غزة22.81°
الجمعة 11 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.12يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.12
دولار أمريكي3.77

عبد القادر .. حكايات عتيقة عن "أبو شوشة" السليبة

IMG_5939
IMG_5939
الضفة المحتلة - فلسطين الآن

الثمانيني سعيد محمد عبد القادر، رافقته  كنية "أبو ناصر الزمّار" وطغت على اسمه الحقيقي واستمر مفعولها حتى اليوم.

ولا زال يجلس وسط مخيم الفارعة، وبيده آلات عزف صنعها بنفسه، ويقص لسانه حكايات عتيقة من قرية "أبو شوشة" المجاورة لحيفا، ويتوقف عند عمله في إحياء الأعراس الشعبية سنوات طويلة، ويستعرض أمنياته، ولا يستطيع إخفاء دموعه حين يطلق العنان لهواياته الأولى.

بدايات

يقول "تعلّمت العزف على الشبابة في حقول قريتي، وتركت المدرسة في الصف الثالث لأرعى قطيع عائلتي، ودخلت في رهان مع أبي لترك الرعي الشاق، وهو أن أتقن كل فنون العزف على هذه الأداة، وقتها كنت لم أكمل العاشرة بعد". وبدأت بتعلم ألوان الموسيقى، وأتقنت فنون "الدلعونا"، و"الشمالي"، و"الجفرا"، و"زريف الطول"، وغيرها.

ويبين عبد القادر أنه عرض مهاراته على والده الذي كان يُعلّم أبناء "أبو شوشة" في كتّابه، فقال له: "لم تتقن العزف بعد، يا ولدي.."، فيعود لسيرته الأولى، ويبدأ بمراجعة نفسه، ليجد أن كل الفنون صارت طيعة في يده، ليعترف له والده لاحقاً أنه أتقن كل شيء، ولكنه أراد له البقاء في مهنة الرعي.

ووفق عبد القادر، فقد تطورت مهاراته كثيرًا، وحين وقعت النكبة، وكان مع القطيع، خشي على شبابته من الضياع، فذهب إلى مغارة  "أبو جريس" ودفنها ببابها، وقال لنفسه: "سأعود إليها غدًا، وفي الليل هاجمتنا العصابات الصهيونية، وأطلقوا النار على البشر والبهائم، وقتلوا  شبانًا منا، ونفقت عدة رؤوس من أغنامنا".

باعدت النكبة بين عبد القادر و"محبوبته" أبو شوشة، ومكث في السيلة الحارثية قرب جنين عدة سنوات، ثم انتقل إلى مخيم الفارعة، وخلال إقامته في السيلة، طوّر تعلقه باليرغول والشبابة، وكان ينفخ في أدواته طوال الليل، في حقول البطيخ التي زرعها والده، وهو ما جعله مضرب المثل في البلدة، ومصدر الشكاوى العديدة لوالده، بدعوى الإزعاج وعدم السكون في عز الليل عن "التشبيب".

التصاق

يكمل ابن قرية أبو شوشة: "انزعج والدي مني، وخاصة حين صار الناس يدقون باب بيتنا كل يوم، ويطلبونني لإحياء أفراحهم، وقد قرّر في إحدى الليالي أن يعاقبني، فضربني بالعصا، وكسر شبابتي، وأخبرته أنني لن أترك العزف حتى أموت".

وسألني "هل أخفي واحدة أخرى؟ فقلت له نعم، ولكن لن أخبرك بمكانها"، وطلب من أخوتي البحث عنها ليكسرها، فلم يجدوها. فأعاد السؤال: "أين هي يا ولد؟"، فأجبت: "سأخبرك بشرط، أن لا تمنعني منها، فضحك ووعدني، وأحضرتها له من قلب الفراش".

عمل أبو ناصر في إحياء أعراس في الجليل وجنين وطوباس والأغوار والجليل، واستمر منذ عام 1950 وحتى وفاة والده عام 1978، لكنه استمر في العزف لنفسه ولأفراح أولاده ومعارفه بالمجان، ولم يعد الناس يعرفونه إلا باسم  أداته الموسيقية الخشبية. وقبلها، تلقى تعليمه حتى الثالث الابتدائي، وهو أب لتسعة أولاد وثلاث بنات، أكبرهم ناصر ( 54 عامًا) وأصغرهم طارق ( 30 عامًا).

يقول: "كنت أنفخ في اليرغول والشبابة طوال الليل، ولا أتعب أبدًا. وفي أحيان كثيرة كنت أعزف وأضع أيضًا السيجارة في فمي، ولم أشرب أي شيء لتقوية نفسي. ولا أنسى أصعب موقف أمر به، حين ذهبت لإحياء حفل ببلدة عقابا أوائل السبعينيات، ويومها انكسرت شبابتي من أول الليل، فعدت مبكراً، وتعلمت أن لا أذهب لحفل إلا مع يرغول أو شبابة للطوارئ".

ويشير "أتقنت صنع الأدوات الموسيقية الخشبية، من القصب المنتشر في  جوار نبع عين الفارعة، وكانت أجد صعوبة أول الأمر في تجهيز مكان النفخ، إلى أن تعلمته من شاب مقيم في مخيم طولكرم".

أجور

يزيد "كنت أحصل في الحفل الواحد بين 5 دنانير و20 ديناراً، ولم أضع تسعيرة خاصة بي، وأكبر مبلغ أقبضه من عرس واحد كان 30 دينارًا في السيلة الحارثية. وقد أحييت أفراحًا لأصدقاء ومعارف، وآخر عرس كان لأبني طارق قبل  سنتين، لكن منعني الأطباء عن اليرغول اليوم، وحين أسمع أي عزف لأحد على شبابة أو يرغول أبكي من كل قلبي".

تتجسد أحلام عبد القادر في أن يرجع إلى عافيته الأولى،  ليعود إلى "أبو شوشة" ويُخرج شبابته الدفينة من مخبئها، ليعزف بها لحن العودة إلى قريته السليبة، ويسترجع ذكريات الطفولة العتيقة.

IMG_5944