مع دخول أجواء الأربعينية أو المربعانية في الثاني والعشرين من ( كانون الأول/ ديسمبر)، نكون قد بدأنا موسم "الوحوحة" .. برد قارص، و"سكعة" تصطك معها الأسنان على رأي الختيارية.
من أبرز معالم بداية هذا الانقلاب الشتوي، أطول ليلة وأقصر نهار في السنة يوم 22/12 حيث يستمر معدل الليل والنهار لعدة أيام ثم يبدأ التغيير حيث يأخذ النهار في الزيادة.
في ذاكرتنا الفلسطينية والعربية يرمز ليل الشتاء الطويل إلى الهموم والانتظار القاسي، حتى أن معظم الشعراء، يشكون من جراح الليل وهمومه وسكونه، وقد درسنا في المرحلة الابتدائية أبيات من قصيدة لـــ امرؤ القيس يقول فيها:
وليل كموج البحر أرخى سدوله..**علي بأنواع الهموم ليبتلـــــي
فقلت له لما تمطى بصلبــــه**وأردف إعجازاً وناء بكلكــــلي ألا أيها
الليل الطويل ألا أنجلي**بصبح وما الإصباح منك بأمثــــلي وتقسم
الأربعينية حسب بعض الآراء إلى ثلاثة نجوم بأيام متساوية ويطلق على الأول الإكليل وتقول العرب في دخوله:" إذا طلع الإكليل هاجت الفحول وشمرت الذيول وتجرفت السيول "
والثاني:" القلب وفيه أطول ليلة وأقصر نهار في السنة " وتقول العرب في دخوله: إذا طلع القلب امتنع العذب وصار أهل البوادي في كرب"
والثالث:" ويطلق عليه اسم الشولة وهو آخر أيام المربعانية، وتقول:" إذا ما عجْبكم حالي ببعتْ لكم خْوالي " وهم (السعودات) وفي هذا التراث المناخي، دلالات بيئية واقتصادية بينما يمكن إضافة تأثيراتها السياسية، لم لا، وقد أقرت الجغرافية السياسية أن المناخ من أهم العوامل التي تؤثر في قوة الدولة وظروفها السياسية، كما أثرت على الأوضاع السياسية لكثير من الدول، إذ أن ملاءمة المناخ في جنوب أفريقيا، حيث يسود مناخ البحر المتوسط، شجع الأوربيين على الهجرة والاستعمار، ويمكن الاستدلال من التاريخ على أن المناخ كان له أثر كبير على سير العمليات الحربية.
ومثال ذلك أن القيادة الألمانية كانت على بينة من أن غزو بولندا يجب أن يتم في الأيام الأولى من شهر سبتمبر قبل سقوط الأمطار، حتى تتجنب الأوحال، التي يمكن أن تتعرض لها الدبابات الألمانية. برودة الأربعينية تنعكس على المشهد السياسي الفلسطيني الذي وصل فيه مشروع التسوية إلى ما دون الصفر، والمصالحة مجمدة، في ظل مبادرات باردة من الفصائل لحل أزمات غزة، بينما يتوحوح اهل غزة على أمل أن تصلهم تيارات دافئة، ويبقى الأمل معقودا على جبهة الضفة الساخنة.
