كان بظهرٍ منحنٍ قليلا، وبوجهٍ أحمر تخاله إذا ما تكلّم؛ سيطفحُ الدَمُ منه، في جلسات المعلّمين لا يبتسمُ، ولا يتكلّم ... السيجارةُ لا تغادر شفتيه، فإذا ما ذوَت؛ دفع بأخرى ... كان يشتعل .. ينفثُ سحاباتٍ، ويتدفق دوما بالغضب .. ويردد فقط عبارة واحدة ..
".. ولك أسكت .. شو بيفهمك .. "
كان ناقما، وصامتًا فقط ... ولو أنتَ أعدت عليه رأيه الذي كان اعتنقه؛ لسارع؛ وعاد صاح:
ولك أسكت .. شو بيفهمك ...
كان يقضي وقته متنقلا ما بين البيت، والمدرسة المجاورة، وبعد إياب الطلاب يبدأ رحلته الثانية في تعليم الدروس الخصوصيّة ... باهتا كان رغم حمرة وجهه، بعينين داكنتين تحتَ عويناتٍ سوداء، يسكنهما قلق الدنيا، سترته لا تتغير طيلة العام، صيفا، أو شتاء .. تشغله سيجارته، ونظرة سخطه الناقمة ..
يوما سقط المعلّمُ بهجت ... سقط، ولم يقم ..
كان على سريرِ بيتِه ممددا؛ جاء المعلمون والناظرُ ... كنا صفا نتقدمُ؛ نُقبلُ جبينه البارد؛ ونمضي ... لحظتها رأيتُ عينيه الكاملتين .. فهمتُ معنى الموتُ؛ حينما لا تقفلُ العينان .. ارتعشتُ، وأنا أنحني، ولكم حاولتُ أن أمنعَ انهياري حينما تمتم:
" ولك شو بيفهمك .. ولك غلط "
