19.99°القدس
19.6°رام الله
18.86°الخليل
23.59°غزة
19.99° القدس
رام الله19.6°
الخليل18.86°
غزة23.59°
الثلاثاء 15 أكتوبر 2024
4.92جنيه إسترليني
5.32دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.11يورو
3.77دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.92
دينار أردني5.32
جنيه مصري0.08
يورو4.11
دولار أمريكي3.77

وزير الثقافة الفلسطيني يحيي حفلاً شعرياً بحيفا

acf3a44b4320f2a5e2df07ed0aa8a621
acf3a44b4320f2a5e2df07ed0aa8a621

حلّ الشّاعر الفلسطينيّ، الدّكتور إيهاب بسيسو، ضيفًا على مدينة حيفا لأوّل مرّة، وذلك في أمسية شعريّة له، تحت عنوان “حين سار الغريب على الماء وحيدًا”؛ الخميس الماضي، 23 تشرين الأوّل/ أكتوبر، في مسرح الميدان بمدينة حيفا.

قصائد وموسيقى

وقد نُظّمت الأمسية بالتّعاون مع عدد من المؤسّسات والفعاليّات العربيّة في حيفا، ي المجلس الملّي الأرثوذكسيّ الوطنيّ – حيفا، واتّحاد الأدباء الفلسطينيّين، ومركز مساواة لحقوق المواطنين العرب، ونادي حيفا الثّقافيّ، ومكتبة كلّ شيء، ومسرح الميدان.

أنشد بسيسو في الأمسية عددًا من قصائده المنشورة في ديوانه الرّابع: “حين سار الغريب على الماء وحيدًا”، الصّادر مؤخّرًا عن دار الشّروق في رام الله، وهي: أشتاق لاسمي؛ في المطر؛ صباحٌ جديد؛ من يوميّات وقتٍ حائر؛ نداءٌ في المنفى. وقد رافقه في إنشاده عزفًا على آلة العود، الموسيقيّ حبيب حنّا شحادة، مدير جمعيّة “المشغل” للثّقافة والفنون بحيفا.

حوارٌ حول الشّعر والذّات

إثر القراءات الشّعريّة حاورت عريفة الأمسية، الإعلاميّة نضال رافع، الشّاعر إيهاب بسيسو، حول تجربته الشّعريّة، متطرّقةً إلى حضور المدينة القويّ في هذه المدينة، وخصوصًا ديوانه الأخير، وطرق تعرّفه على تفاصيلها وأوجه تصويرها لديه، بعمرانها وشخصيّاتها.

وتطرّقت رافع في حوارها مع بسيسو إلى تجربته في بريطانيا، حيث أقام سنوات عدّة على مقاعد الجامعة هناك، سائلة عن مدى تأثيرها في صقل شخصيّته وهويّته، وتحديدًا الأدبيّتان؛ وحاورته كذلك في الحدود الفاصلة بين الذّاتيّ والجمعيّ في الأدب، وتحديدًا الشّعر.

واعتبرت رافع أنّ الشّعر الفلسطينيّ انتقل من غربة إلى غربة بتغرّب الإنسان الفلسطينيّ وتشتّته، وهو موتيف متكرّر في شعر إيهاب، سائلة إيّاه إن كان هذا الحضور للغربة في شعره محاولة لمعالجة الشّتات، والمنفى، والتّهجير.

“اليوم عدت إلى حيفا”

وكان الشّاعر إيهاب بسيسو قد افتتح الأمسية بإلقاء كلمة خاصّة بها وبحيفا، طرح فيها أفكارًا وتأمّلات ومشاعر حول حيفا، وغزّة، والوطن، والاحتلال، والغربة، والثّقافة والكتابة، لاقت تأثّرًا كبيرًا من الجمهور، ينشرها موقع “منصّات” كاملة؛ جاء فيها:

“أيّها الأهل والأصدقاء؛ أن أكون بينكم اليوم يعني أن أمسك الجغرافيا بيديّ وأن أقول للتّاريخ: شكرًا،

أنا هنا اليوم رغم كلّ حيل الحاضر بألاّ أكون. هذا الحاضر الّذي يختبئ وراء ماكينة معقّدة من التّصاريح والإجراءات المختلفة، والّتي يتقنها الاحتلال كي تجعل الوصول إلى هنا أقلّ قليلًا من المستحيل.

لكنّني وصلت بكم إلى لقائنا؛ مازحت الطّريق قليلًا، قلت: لا تهرب منّي عند أوّل حاجز قد يعيدني فيه الجنديّ إلى رام الله، وسأخبرك بقصص كثيرة وتأمّلات. أوّلها، سأعرّفك بنفسي، أنا ابن مدينة بحريّة تمتدّ جنوبًا من هنا؛ إن وصلت بي إلى حيفا وصعدت بي الكرمل ستراها دون الحاجة للكثير من التّأمل، وإن وقفت بي على الشّاطئ وناديت ستردّ عليك باسمها.

أنا من غزّة، شقيقة حيفا في الهويّة.

تعمّدت بالبحر منذ الولادة، حملني أبي إلى الشّاطئ ذات صيف بعيد، وتركني للماء، ولم أدرك منذ ذلك التّاريخ أنّني سأحمل بين ضلوعي ملحًا خفيًّا يشبه الدّمع في تكوين الحدقات.

كبرت في غزّة.

كان البحر معلّما وصديقًا، يكفي أن تخرج إلى الشّاطئ فيستقبلك مع قرص شمس برتقاليّ مشرق، أو قطعة من فضّة مقدّسة اسمها القمر، ويجلس إليك ليخبرك ما تريد عن الوقت والتّاريخ والحياة.

هناك اكتسبنا أسماءنا من الجغرافيا والتّاريخ بكلّ فصوله، لم يبخل علينا البحر بشهادته والمعرفة. هناك جلست على مقعد خشبيّ في مدرسة غزّة الابتدائيّة، لأتعلّم الأبجديّة، ومنها إلى مدرسة الزّيتون الإعداديّة لأخوض بدايات الكتابة، ومنها إلى مدرسة الكرمل الثّانويّة.

نعم الكرمل.

“أنا ابن الكرمل”، هكذا كنّا نعرّف بعضنا، نحن طلاّب الثّانوية آنذلك. واسمحوا لي اليوم أن أستعيد هذا التّعريف، بعد كلّ هذه السّنوات لأقول لكم: أنا الغزّي، ابن الكرمل، جئتكم اليوم مشبّعًا بكلّ الذّكريات، حريصًا على كلّ المفردات واللّغة والهويّة.

في تلك الفترة الزّمنيّة في غزّة تشكّل الوعي الأوّليّ، وانطلقت صافرة المعرفة؛ حفظنا شعرًا وقرأنا كتبًا عدّة. حيفا كانت حاضرة فيما نقرأ. جاءتنا حيفا أو جئناها، نحن الصّغار الّذّين بدأنا درب الكتابة، نجلس إلى حضورها فينا، نعدّ الأوراق والأقلام ونستمع ونكتب.

حيفا كانت مسرح الحدث والنّقاش، ونحن في بداياتنا أبناء الزّيتون والكرمل نقرأ غسّان كنفاني في رائعته الموجعة: “عائد إلى حيفا”، ونناقش في الفصول وساحات المدارس ما فهمنا من الدّلالات ونحن نتبادل الرّوايات والكتب.

من هنا انطلقت الأسئلة، ومن هنا بدأ مشوار البحث عن تثبيت الهّويّة. الكتابة بالنّسبة لنا فعل تحرّر من الحصار، حصار الجغرافيا للجغرافيا، حصار الخوذة للتّاريخ، وحصار الأسلاك الشّائكة للبحر والورد وشرفات المدن المطلّة على الغد.

الكتابة بالنّسبة لنا فعل اتّزان، حاجة بديهيّة للقول: إنّنا نحيا… هنا في البلاد الغنيّة بنا، وبكلّ ما نحمل في صدورنا من حكايات ووصايا وتعاليم وشهادات وأمل.

الكتابة نحن، القادمون من نوافذ المعنى، نطلّ علينا بقصصنا والتّجربة، نحرّر ما استطعنا من صورنا في البراويز العتيقة لتنطق، فيخرج جيل جديد من بين أصابعنا يتقن سرد الأسماء والجغرافيا دون خلل في الذّاكرة.

تلك هي حكايتي، وخلاصة التّأملات، وأنا الّذي احتجت للمكان لأتمّم لغتي، ولأراني في الجغرافيا، كما في الشّعر والقصيدة.

اليوم تحضر حيفا، بكلّ صورها الّتي حفظتها، بأسماء روّادها، ووجوه أهلها، بشوارعها وتفاصيلها الّتي كنت أقرؤها. اليوم تستقبلني ذاكرتي، تلك الذّاكرة التي حفرت اسمها في الأرض قبل ميلادي.

اليوم وصلت إلى هنا. لم تخذلني الطّريق، أو يهرب منّي، بل قادني إليكم بعد سفر وغياب وماء، سار عليه الغريب كي يستقرّ على يابسة الحلم والرّؤية.