تعتبر المواد السوداء سهلة الرؤية بالعين المجردة، خاصة أن اللون الأسود من الألوان الأكثر غموضا، حيث يراه البعض رمزا للحزن والتشاؤم، بينما يراه آخرون رمزا للجمال والأناقة، ولكن الغريب أن يكون هناك مادة شديدة السواد لا يمكن رؤيتها.
أنتجت شركة بريطانية مختصة في النانوتكنولوجي مادة غريبة اسمها "فانتابلاك" (Vantablack) ذات لون أسود قاتم لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها، وتقول الشركة إنها المادة الأشد ظلمة على وجه الأرض لدرجة أن العين لا تستطيع تمييز شكلها وماهيتها.
صُنعت تلك المادة من ملايين الأنابيب الكربونية النانوية التي تقل سماكتها عن سمك شعرة الإنسان بعشرة آلاف مرة، وأشد صلابة من الفولاذ بعشر مرات، وقدرتها على توصيل الحرارة أكثر من النحاس بسبع مرات، وهي لا تحمل أي مظاهر مرئية، فعند تغطية رقاقة ألومنيوم متموجة بطبقة من هذه المادة فلا تظهر للمادة أي تموجات.
وتسمى المادة الجديدة "فانتابلاك"، حيث لها القدرة على امتصاص 99.96% من الضوء الذي تتعرض له، علما بأن المواد السوداء المتعارف عليها في العالم تمتص الضوء بنسبة تتراوح بين 95 و98%، وأثناء تصويرها تم وضع ورق لامع حولها لإظهارها في الصور.
صفاتها ومميزاتها
أعلنت الشركة البريطانية "سيري نانو سيستمز" (Surrey NanoSystems) عن تمكّنها من تسجيل إنجاز جديد في مجال المواد السوداء (أو المظلمة)، والمقصود هنا بالمادة السوداء هي قدرة المادة على امتصاص الضوء، مما يعني الاقتراب أكثر وأكثر من تصنيع "ماصّ مثالي" للضوء، تماماً كالجسم الأسود الذي استخدمه ماكس بلانك في دراساته الحرارية النظرية التي قادت إلى ثورة الفيزياء الكمية.
وقد وصفت الشركة المادة الجديدة بأنها خفيفة جداً، وتمتلك بنية حساسة للحرارة، بالإضافة إلى قدرتها على امتصاص 99.96% من الإشعاع الساقط عليها، إذ تسمح بانعكاس نسبة 0.035% فقط من كمية الضوء الساقط عليها بما لا يسمح للعين المجردة أن تراها، وبالتالي -وحسب تعبير الشركة- فإنهم تمكّنوا من تسجيل أعلى قدرة امتصاص ضوئي ممكنة لمادةٍ صناعية.
والفكرة حولها لا تتعلق بما تراه العين المجرّدة، بل بما لا تراه. في الواقع، أنت لا ترى شيئاً، فالمادة شديدة السواد والظلمة لدرجة أن العين البشرية لا تستطيع أن تميز وتدرك ما تراه.
إن عملية تصنيع المواد الشديدة السواد والمُعتمدة على الأنابيب الكربونية النانوية تتطلب درجات حرارة مرتفعة جداً، مما يمنع استخدام هذه المواد في مجال الإلكترونيات الحَساسة أو مجال المواد التي تتميز بدرجة انصهار منخفضة. وتبدو هذه المواد الجديدة بأعلى درجة سواد يُمكن الحصول عليها، وهي قريبة جداً من الثقب الأسود كما نستطيع أن نتخيله.
ما يميز هذه المادة هي تطبيقاتها، وأهمها في مجال التصوير الإلكتروني الضوئي، وأنظمة تحديد الأهداف ذات الاستخدامات العسكرية، وكذلك في المراصيد (تلسكوبات) لتحسين قدرة المرصاد على رصد النجوم الشديدة الخفوت.
وتُشكّل مادة الفانتابلاك إنجازاً تقنيا جديداً في تطبيقات النانوتكنولوجي وتحديداً في مجال الأجهزة والأدوات البصرية، فهي ستخفض الضوء المُتشتت، مما يُحسّن من قدرة المراصيد الحساسة على مشاهدة النجوم الخافتة، ويسمح كذلك باستخدام مصادر أصغر وأخف وزناً في أنظمة مُعايرة الأجسام السوداء المَنقولة في الفضاء أو الهواء.
أما القدرة الانعكاسية الشديدة الانخفاض للمادة الجديدة فتُحسّن بشكلٍ كبير من حساسية الأجهزة المحمولة بالهواء، سواءً على الأرض أو في الفضاء. ومن خصائصها المتميزة أنها تمتلك مستوياتٍ غير قابلة للكشف عملياً لإطلاق الغازات وتهدّم الجُسيمات، مما يقضي على أحد المصادر الأساسية لحدوث الضجيج والتلوث في أنظمة التصوير الحساسة.
ومما يميزها كذلك، مقاومتها لصدمة الإطلاق، والاهتزازات المرحلية والطويلة الأمد، وهي مُناسبة أيضاً في طلاء المُكوّنات الداخلية مثل الفتحات والواقيات الإشعاعية الباردة والحساسات البصرية والضوئية المكوّنة من الأنظمة الإلكترونية الميكانيكية المجهرية.
تطبيقاتها
تقول الشركة المصنعة إنها أوصلت أول طلب لها من مادة الفانتابلاك، وأنها الآن تُسرِّع الإنتاج لتلبية حاجة زبائنها من قطاعي الدفاع والفضاء.
كما طورت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) مادةً مشابهة جدا، وأسمتها "حالكة السواد" (Super-black)، ولكن لم تتحدث عن إمكانية إيجاد طريقة ناجحة لإنتاج هذه المادة بشكل واسع النطاق.
وفي الوقت الحاضر تستخدم بدل المادة الحالكة السواد داخل المراصيد صبغة سوداء جداً تسمى "آيروغليز زد306". وفي كلتا الحالتين فإنها مسألة وقت فحسب قبل رؤية طائرات وسفن ودبابات التخفي، التي تقطع طريقَها عبر البراري ولا تترك وراءها غير فراغ مثير للجدل والحيرة.