أثبت الفلسطينيون مرة أخرى أنهم غير محترفين، وأنهم بسطاء لدرجة المبالغة، ويعتقدون ان على العالم ان يفهمهم من دون ان يعبّروا عن مشاعرهم بطريقة مادية. وبعكس الاحتلال الإسرائيلي لا يزال الفلسطينيون عاطفيون تلقائيون لدرجة السذاجة، هم فلاحون بمعنى الكلمة، ينتظرون السماء أن تمطر من اجل أن تروي أرضهم، وينتظرون الأرض أن تثمر من اجل أن تعطيهم منتوجا، وينتظرون المنتوج ان يكون وفيرا لدرجة الكفاف. أنهم يعيشون على القدرية المطلقة وقلّما يفكرون في خلق الظروف التي تخلق ظروفهم. أكثر من مئة سفير فلسطيني يرأسهم رئيس السلطة ووفد رفيع المستوى ووزير الداخلية ووزير الخارجية، جلسوا في فندق كونراد باسطنبول واستمعوا الى سفيرنا هناك نبيل معروف وهو يفتتح المؤتمر الثاني لسفرائنا في العالم، وبعد كلمة الرئيس التي خلت من المفاجئات، وتعمدت التأكيد على الثوابت الثابتة، جاءت كلمة رئيس الوزراء التركي طيب رجب اردوغان. ووسط عشرات كاميرات وكالات الأنباء في العالم ، وقف اردوغان يلقي كلمة حماسية ارتجالية من اجل عيون فلسطين ... وهنا كانت المفاجئة. بدأ الزميل الصحافي عبد الرؤوف ارنئوط من صحيفة الأيام ينظر إلى وجهي ونتهامس بكل الم: لماذا لا يصفقون للزعيم التركي ؟ لماذا يجلس السفراء بهدوء ؟ مع ان كل القاعة تملك سماعات الترجمة الفورية والسريعة ؟ لماذا لم يقف احد حين قال " أريد أن اقبّل العيون الدامعة للامهات الفلسطينيات " ؟ لماذا لم يصفق احد حين قال : القدس خط احمر ؟ ولن نسامح إسرائيل طالما هي تحاصر قطاع غزة ؟ ورغم ان معظم السفراء من غزة ولهم عائلات اولاد في غزة لم يتململ احد !! ثم اتسع الهمس بين الصحافيين، وتوصلنا الى قناعة بأننا فلاحين بسطاء ومساكين نعتقد ان العالم يجب ان يحبنا من دون ان نقوم بعمل شيء محدد ونوعي وجديد في كل مرة !! ونسينا مقولة جبران خليل جبران ان المحبة التي لا تنبع كل يوم تموت كل يوم !! اردوغان ارتجل الكلمة دلالة على الصدق، وكانت كل كلمة تستحق التصفيق، لان كلمته نابعة من قوة الحق، من قوة الايمان، من قوة الانتماء والصداقة والأخوة، وهي أرقى وأكثر عدالة وأخلاق من كلمة اوباما امام اليهود آلاف المرات ... فالرئيس الأمريكي اوباما كان ينافق لليهود وهم كانوا يقفون ويصفقون في كل دقيقة، وما هو إلا مؤتمر الظلم والاحتلال والرياء والمصالح الدنيئة، بينما لقاء ابو مازن مع اردوغان كان لقاء الاخوة والمحبة والصدق والعدل والشرف الثوري والانسانية الطاهرة . ولكن من سخف القدر ان اليهود الاثرياء وجنرالات الحرب في امريكا صفقوا كثيرا لاوباما الظالم الذي باع ضميره وشرفه على مائدة الاحتلال . اما الفقراء والمعذبون الفلسطينيون فقد "نسوا " ان يصفّقوا للقائد التركي الذي كاد يبكي وهو يتحدث عن فلسطين. ويبدو ان الرئيس شعر بذلك، وعرف ان سفراء فلسطين "طيبون" و"بسطاء " فصفق هو مرتين ووقف الحضور لاردوغان عند إتمام خطابه، مع أن الخارجية الفلسطينية وقيادة منظمة التحرير الموجودة هناك وخبراء البروتوكول كان يجب أن ينتبهوا لهذه القصة وان يرتّبوا الأمر، فكل تصفيق في اللوبي اليهودي يكون معدا سلفا، وكل سؤال يكون قد جرى مراجعته وتدقيقه، ونذكر كيف قامت فتاة يهودية متضامنة مع غزة وسألت سؤالا في أمريكا فتعرضت للضرب المبرح على يد الحراس والمتشددين !!! ومع ذلك لم يفت الأوان، ونحن كصحافيين فلسطينيين، نصفق نيابة عن الشعب الفلسطيني للزعيم اردوغان، نصفق له 21 مرة، وفي كل مرة نقف على أرجلنا ونقول شكرا للشقيقة تركيا، وللأخت والجارة اسطنبول : تصفيق لان تركيا استضافت المؤتمر - وتصفيق لان اردوغان حضر المؤتمر - وتصفيق لأنه ألقى الكلمة الحماسية - وتصفيق لأنه قال باللغة العربية بسم الله الرحمن الرحيم وأرحب بكم من كل صميم قلبي - وتصفيق حينما قال انه الان الوقت المناسب لمن يريد أن يدعم الشعب الفلسطيني وليس بعد حين الآن يجب دعم فلسطين - وتصفيق حين حيا الأمهات الدامعات عيونهن والإباء وأطفال وقال انه يقبّل عيونهم فردا فردا - تصفيق حين قال أن تركيا كانت وستظل تسيّر قوافل الدعم الي غزة - تصفيق حين عدّد أسماء شهداء سفينة مرمرة فردا فردا وقال لن ننسى - تصفيق حين قال لن تعود علاقتنا مع إسرائيل طبيعية طالما لم تعتذر إسرائيل وتدفع تعويضات الشهداء وترفع الحصار عن غزة - تصفيق حين قال وهو يرفع رأسه للسماء : ان الظلم لن يدوم يا إسرائيل - تصفيق حين اكد على ثوابت القدس واللاجئين والقرارات الدولية - تصفيق حين قال لا يمكن ان نقبل الاستيطان في القدس وان تركيا ستقدم الدعم المعنوي والمادي بكل قوة - تصفيق حين قال لا للحواجز ولا لتشتيت العائلات وللهيمنة الاقتصادية على شعب فلسطين - تصفيق حين صاح يقول ارفعوا الحصار عن غزة - تصفيق حين طالب حماس وفتح أن يتحدوا وقال أرجوكم أخي الرئيس محمود عباس سامحوا بعضكم فالأخ يسامح أخاه - تصفيق حين طلب من رجال الأعمال الأتراك الاستثمار والعمل مع رجال الأعمال الفلسطينيين لتطوير الضفة وغزة - تصفيق حين أعلن الحث على إنشاء منطقة صناعية في جنين - وتصفيق حار مع وقوف مطوّل حين قال : نصف قلبي مكة والنصف الأخر المدينة والقدس ستارة تغطي على قلبي - تصفيق حين انشد شعار محمود درويش عن الوطن والنضال والثورة والصمود . وتصفيق وقوفا حين عاهد الله والرئيس عباس أن تعمل تركيا على رفع فلسطين إلى مصاف الدول.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.