لا خيار أمام الصحفي المعتقل محمد القيق؛ فإما النصر وإما الشهادة، ولا سيما أن الرجل قد ارتقى مقعد مجد، وصعد إلى الدرجات العليا من العطاء، وأحدث بصموده التأثير الإيجابي في روح شباب الانتفاضة، ولم يبق أمامه إلا طريق الانتصار أو الارتقاء بالشهادة، وكلاهما غاية المقاوم، وكلاهما طعنة نجلاء في صدر العدو الذي يخشى من عواقب الشهادة أكثر من خشيته من عواقب النصر، لذلك سيحرص العدو الإسرائيلي على عدم إثارة الرأي العام العالمي ضد جرائمه، بمقدار حرصه على عدم تفجر الساحات والميادين في الضفة الغربية غضباً وانتقاماً، ومن هنا تأتي مساعي الإسرائيليين في البحث عن حل يحفظ لهم ماء الوجه، وفي والوقت نفسه يفك عن عنقهم قيود المعتقل الصحفي محمد القيق. كان يعرف المعتقل محمد القيق منذ اللحظة الأولى التي أعلن فيها الإضراب المفتوح عن الطعام، وبعد أربعة أيام من اعتقاله، كان يعرف أنه يخوض معركة حياة أو موت، وأنه أما خيارين لا ثالث لهما، وكان يعرف أن الإضراب عن الطعام عذاب للجسد يفوق المرض، وكان يعرف أنه سيعيش أياماً حالكة المعاناة، لن يقوى فيها على الحركة، وستتكالب على الجسد المنهك كل الأمراض، وكان يعرف أنه سيفقد السيطرة على حواسه بالتدريج، حتى الغيبوبة، وفقدان الوعي، ولكن الرجل يعرف أيضاً أنه يمثل قضية شعب، وقضية أمة تقف أمام خيار المقاومة، أو الهزيمة، وقد اختار المعتقل الصحفي المقاومة بكل تبعياتها، ونتائجها.
إن تراجع الصحفي محمد القيق عن خطوته في الدقائق الخمس الأخيرة يعني هلاك الفكرة، وانحطاط القدرة التي تنتظر الإسناد والتعاضد، ولا تنتظر المثبطات، لذلك فإن الخوف على خطوة الرجل البطولية لا تأتي من عنجهية العدو؛ الذي يناور ويراوغ حتى اللحظات الأخيرة، ولكن الخطر يأتي من خذلان الصديق الذي يتباطأ في الإسناد، فعندما أعلن محمد القيق إضرابه عن الطعام ما كان يعتمد على قدرته هو فقط، وإنما كان يثق بأنه يتقدم شعبا تعود على المواجهة، ولن يخذله، شعب يقدر البطولة ويحترم الأبطال، شعب لا يستكين لظالم، ولم تهن عزيمته، وينتظر القائد الذي يخوض بحر المواجهة أمامه كي يلحق بركابه فرحاً مهللاً، شعب لا ينام الليل دون أن يشعل الأرض ثورة وغضباً وحضوراً مزعجاً ومرهقاً لأعدائه.
وعلى طول التجربة الفلسطينية في الإضراب خلف الأسوار، مثل الإسناد الجماهيري للمضربين عن الطعام الغذاء والدواء والشفاء من وجع القيد ووجع الإضراب، وهذا ما تحقق في السنوات الأخيرة مع إضراب المعتقل خضر عدنان، ومحمد علان، وسامر العيساوي، وهو ما سيتحقق اليوم مع المعتقل محمد القيق، الذي يضيف مع الوقفة الجماهيرية لبنة أخرى على جدار صد العدوان، وتحدي إرادة السجان.
وإذا كانت الساعات القادمة حاسمة في مصير الرجل كما نقل عن هيئة الأسرى التي تتوقع إبرام اتفاق مع النيابة العسكرية الإسرائيلية خلال الساعات القادمة، يقضي بعدم تجديد الاعتقال الإداري للمعتقل محمد القيق والإفراج عنه بتاريخ 21/5/2016 واستكمال علاجه في مستشفى المقاصد في القدس المحتلة. فمعنى ذلك أن أبطال الشعب الفلسطيني يحققون النصر تلو النصر بفعل إرادتهم، وبفعل سواعد شباب الانتفاضة، الذين احتفظوا على صفحات التواصل الاجتماعي بصور المعتقل الصحفي محمد القيق، وهذا ما أكدته صفحة الشهيد محمد أبو خلف الذي دقق النظر بمعاناة القيق، قبل أن يقرر الانتقام، والانتقال من السكون إلى الفعل.