صرح خبراء ومحللون اقتصاديون أن دول "الربيع العربي" بحاجة إلى مزيد من الإصلاحات الهيكلية في الخارطة الاقتصادية الخاصة بكل دولة مع غياب مؤشرات قوية على تعافيها.
وخلال أعمال المؤتمر السنوي الـ22 لمنتدى البحوث الاقتصادية الذي انطلق في القاهرة يوم السبت 19 مارس/آذار، قال وزير المالية المصري الأسبق، أحمد جلال، إن المواطنين في دول الربيع العربي خرجوا إلى الشوارع لأنهم رفضوا جدول أعمال التنمية الذي وضعته دول المنطقة قبل 2011، ونتج عنه سوء توزيع للثروة.
وأكد أن مصر تريد أن تكون ضمن أسعد 30 دولة في العالم، مشيرا إلى أن هذه الفكرة جيدة لكن ما الطريقة لتحقيقها؟ وأجاب المسؤول المصري عن سؤاله بأن الطريقة هي حسن إدارة الفترة الانتقالية للدول التي شهدت تغير أنظمة منذ 2011، وتحقيق العدالة الاجتماعية وإقامة نظام اقتصادي يشترك فيه الجميع.
ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، عن نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم، قوله "إن الدول التي قامت بها الثورات كانت تحقق معدل نمو جيد، خاصة مصر وتونس، لكنها تعاني من سخط شعوبها بشكل أكبر من الدول المجاورة التي تحقق معدلات نمو أقل".
وتابع غانم بأنه يمكن أن يفترض البعض أن مظاهرات الربيع العربي ارتبطت أكثر بالسياسة وليس بالاقتصاد، ولكن البيانات تقول إن 25% ممن قاموا بالثورة على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي يؤكدون أن الأوضاع الاقتصادية كانت سيئة رغم أن معدل النمو في تونس كان جيدا.وهذا ما دفعهم للبدء بالانتفاضة.
ويفسر غانم هذه البيانات، بأن هناك استبعادا للنساء والشباب وصغار المزارعين من ثمار النمو الاقتصادي، موضحا أن بطالة الشباب مرتفعة بشكل ملحوظ في البلاد، وتزيد بالرغم من ارتفاع مستوى التعليم.
وعزا غانم تراجع اقتصاد دول "الربيع العربي" إلى أن النساء يستبعدن من الاقتصاد بسبب ندرة فرص العمل لهنّ ولو حصلنّ على شهادات دراسية جامعية وهذا ما يؤثر سلبا على توسع قاعدة الطبقة الوسطى في الشرق الأوسط، ما يصعب من مهمة خلق طبقة وسطى، لا تعمل فيها النساء، ويعمل فيها الرجال بإنتاجية منخفضة.
وأشار غانم إلى أن النظم الاقتصادية في دول الربيع العربي استبعدت مناطق بأكملها من حركة التنمية مثل "سيدي بو زيد" في غرب "تونس"، وصعيد "مصر"، وهي مناطق كانت خارج حركة التنمية ويعتمد سكانها على عوائد الزراعة، مشيرا إلى أن دور النظم السياسية العربية حاليا هو تحديد المستبعدين من التنمية وإصلاح السياسات الاقتصادية لضبط وتحسين أوضاعهم".
من جانبه قال الخبير الاقتصادي محسن خان في المعهد "الأطلنطي" بواشنطن للصحيفة إن دول الربيع العربي لم تحصل على دعم كاف لإجراء التغيير ولم يكن هناك نموذج متفق عليه للحكم بعد الثورات، مشيرا إلى تجربة دول شرق أوروبا في التحول الاقتصادي، حيث كانت خطط التحول واضحة لنموذج السوق المفتوحة، بالإضافة إلى المساعدات الُمقدمة من دول الجوار الأوروبية.
وأضاف خان إنه في الحالة العربية لم يكن هناك نموذج، وتم التعامل مع الاقتصاد بطريقة رد الفعل، والاهتمام بحل المشكلات اليومية، هذا بالإضافة إلى أن حكومات ما بعد الثورات، اهتمت باكتساب رضا المواطنين عن طريق زيادة الدعم والتوظيف الحكومي ما أضرّ بالموازنات وتسبب في زيادة العجز.
ونوّه خان إلى أن الدول الغربية لم تف بالتزاماتها تجاه دول الربيع العربي، حيث تعهدت عدد من الدول بضخ 40 مليار دولار في قمة دول الثماني الصناعية الكبرى في 2011، ولكن الدول الخليجية فقط هي التي قدمت مساعدات لمصر بعد 30 حزيران/ يونيو 2013، في حين أن أوروبا والولايات المتحدة لم تقدما شيئا.
من جهته، طالب عادل ماليك أستاذ الاقتصاد السياسي بجامعة "أكسفورد"، بأن يتم خلق عقد اجتماعي جديد في الدول العربية يشمل جميع فئات المواطنين، مشيرا إلى أن المنظومة الاجتماعية في "تونس" تحولت من الضعف إلى الهشاشة، ومصر تمر الآن بمرحلة تغيير واضحة، كما أن دول الخليج تقوم بإصلاحات كبيرة في طرق إنفاقها.
ويرى ماليك أن الدول العربية كانت تتبع النظام الاجتماعي الناصري الذي يوفر لمواطنيه الوظائف والسلع المدعمة، والآن تتذمر بعض فئات المجتمع من انسحاب الدولة، بالإضافة إلى التحيز لكبار الرأسماليين، وهذا الوضع يضعف فرص تحقيق معدلات نمو مرتفعة، ولا بد من تغييره.