أعادت معارك تدمر، بين تنظيم الدولة والنظام السوري، التذكير بالتهديدات والدمار الذي تتعرض له المواقع التاريخية والآثار في سوريا.
وفي هذا السياق، وصف الباحث الأثري في جامعة السوربون، أنس المقداد، دمار المعالم الأثرية التدمرية بـ"الكارثة"، محملا النظام والتنظيم معا مسؤولية الدمار السابق الذي طال كل من قوس النصر، ومعبد بعل شمين، والقبور البرجية.
وقال المقداد، الخبير الدولي في الآثار الكلاسيكية (البيزنطية والرومانية) والعميد السابق لكلية الآثار في جامعة حلب: "لقد قصف النظام بطائراته غالبية المواقع الستة الأثرية المسجلة على قائمة التراث العالمي لدى اليونسكو، وهي تدمر، وبصرى الشام، وحلب القديمة، ودمشق القديمة، وقرى إدلب، وقلعة الحصن"، مضيفا: "أكملت مافيات الآثار ما بدأه النظام، عبر حفريات التنقيب السرية، وتهريب القطع الأثرية إلى خارج البلاد".
وأشار المقداد إلى دمار شبه كامل أصاب مدينة حلب القديمة المدرجة على لائحة التراث العالمي، وهي المدينة التي تعرضت للدمار في حقب تاريخية سابقة على يد المغول.
ونوه المقداد إلى القوانين الدولية التي تجرم الاتجار بالآثار، مشيرا في هذا الصدد إلى سهولة استرجاع القطع الأثرية المعروفة والمسجلة، في حال تمت مصادرتها من قبل سلطات البلاد التي انتقلت إليها. لكنه في الوقت ذاته فرّق بين القطع الأثرية الأصلية والمزورة، موضحا أنه "وجدت من بين القطع المصادرة في الدول المحيطة بسوريا قطع أثرية مزورة، وهذا قد يؤثر على ضبط هذه التجار غير الشرعية عموما".
واستطرد: "أغلب الصالات العالمية التي يتم بيع الآثار فيها، موقّعة على قوانين تجرم بيع القطع المسجلة في المتاحف الأثرية، وصولا إلى مصادرتها وإعادتها من ثم للبلد المسجلة فيه"، و"المافيات التي تتاجر بالآثار تدرك ذلك، ولهذا يستحيل أن يعرضوا القطع الأثرية للبيع في هذه المحافل".
أما تعمد النظام لضرب الآثار الاسلامية، وتحديدا مئذنة الجامع الأموي في حلب، فهو من وجهة نظر أستاذ مادة التاريخ الإسلامي في جامعة حلب سابقا، رشيد شيخو، ليس بعيدا عن نوايا النظام الهادفة إلى طمس الهوية السنية عن البلاد ككل.
كما اعتبر شيخو، النائب الحالي لعميد كلية أكسفورد للعلوم (فرع سوريا)، أن ضرب النظام للمعالم الأثرية بالسلاح الثقيل؛ يأتي من قبيل "التغطية على سرقات الأخير السابقة للآثار"، وفق قوله لـ"عربي21".
وأورد مثالا على ذلك ما جرى في متحف إدلب، وذلك حين استهدف النظام الحائط الشرقي للمتحف بالبراميل المتفجرة، تسهيلا للوصول إلى المستودعات التي تحفظ فيها الآثار بعد انسحابه من المدينة في العام الماضي، ما أدى إلى تعرض المستودع إلى عمليات نهب ضمن حالة الفوضى، وبذلك ضمن النظام براءته من السرقة للقطع الأثرية، التي قام بها قبل الانسحاب، كما قال شيخو.
اختفاء "تلال أثرية" بشكل تام
وبدا شيخو ممتعضا من اختفاء تلال أثرية في مناطق تسيطر عليها المعارضة في ريف حلب الشرقي والشمالي. وقال: "عمليات الحفر غير الشرعية التي قامت بها عصابات ادعت زورا تبعيتها للمعارضة، كانت مسؤولة عن اختفاء عدة مواقع أثرية، منها تل قرامل، وتل عرن، وتل شعير، بالمقابل سهل ظهور السماسرة وعدم ضبط تركيا لحدودها سابقا لعمل هؤلاء".
ويقول شيخو: "تعتبر مدينتا كلس وعينتاب التركيتان، ممرا للآثار السورية المهربة باتجاه الدول الأوروبية، والعالم عموما".
ومن هنا يرى شيخو صعوبة كبيرة في استرجاع هذه القطع الأثرية المكتشفة حديثا، وغير المسجلة، بخلاف القطع المسجلة سابقا.
واختتم شيخو حديثه ، مناشدا السلطات التركية بتكثيف جهودها الرامية إلى محاربة الاتجار بالآثار السورية، لمنع نزيف التراث السوري.