22.21°القدس
21.99°رام الله
21.08°الخليل
27.22°غزة
22.21° القدس
رام الله21.99°
الخليل21.08°
غزة27.22°
الإثنين 29 يوليو 2024
4.74جنيه إسترليني
5.2دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.01يورو
3.69دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.74
دينار أردني5.2
جنيه مصري0.08
يورو4.01
دولار أمريكي3.69

البنطلون والقميص

62
62
علي غديبة

غضبتُ كثيراً عندما خانتني ذاكرتي ولم تسعفني لأستذكر اسم ممثل أميركي أكثر من شهير. لأيام بقيت أفتش في أدراج الزمن المضمحل عن اسمه دون فائدة. لم تكن المشكلة في صورة الوجه ولا في لقطات من أفلامه، كل هذا كان سهلاً على مخيلتي، التي استعصى عليها اسم لا أحب ولا أتمنى لصاحبه مثل هذا التلاشي. فتشت عن أسباب غضبي، ماذا أريد من الرجل؟ بماذا ينفعني طالما أنني لن أحتاجه في عمل من أعمالي؟ ما معنى هذا الإصرار على استحضار اسم حملت معه رواحل الأيام مئات الأسماء؟ لماذا هو بالذات دون سواه؟ وجاءت الإجابات مجرد أمنيات كهلة لا تفي بالغرض. صببت جام غضبي على الإنكليز والانكليزية، اعتبرت جهلي بهذه اللغة مأزقاً لا فرار منه..

في زمن لاحق رميت المشكلة وراء ظهري، تجاهلت إلحاحاً يراوغني، غير أن جميع محاولاتي باءت بالفشل، كلما ناطحتُ رأسي أو لكزته قهراً، حضرت وجوه وأسماء ذاك الرعيل المؤسس لهوليود، أمثال كيرك دوغلاس، جاك بلانس، أودي مورفي، جوليانو جيما ولم أستثن أبطال فليني وألفريد هيتشكوك، كلهم جاؤوا بكامل عِددهم وعتادهم، وبقى وجه بطلي ماثلاً من غير اسم يأتي إلى خاطري. لم تشفع لي حكاية رواها لي صديق في لحظة من لحظات الطُّرف المتبادلة. قال لي: منذ أسابيع سألني فضوليٌ عن اسم ابنتي، كأن ذاكرتي حملته ورمت به بعيداً عن الكرة الأرضية، ماذا يقال برجل نسي اسماً من أسماء أولاده؟ وأظن أن الدم غادر عروقي للحظات، قدحت الزناد في دماغي ومخيخي وبصلتي السيسيائية، استجمعت قواي استجماعاً امتد على مساحة الزمن طولاً وعرضاً، استحضرت اسم وديع الصافي ونصري شمس الدين وجوقة غناء الرحابنة لتطل فيروز بقامتها الرائعة وأتذكر أن اسم ابنتي منسوخ عن اسمها.. ثم روى آخر رواية أكثر غرابة، قال: قبل أن أدير محرك السيارة وضعنا أنا وزوجتي ابننا في مقعدها الخلفي بعد أن سطا الكرى على رموش عينيه المبللة، وعند المكان المقصود نسينا فلذة كبدنا، أقفلنا الرتاج عليه إقفالاً محكماً ومضينا إلى مكان سهرنا.. وبعد هيصة وبيصة وجدنا سيارتنا محاطة بجمهرة من الناس، هذا يشتم وذاك يسب، وسواهما يترأف لصغير بح صوته خوفاً من مأزقين صار فيهما، وأحمد الله أن حميّتهم العاطفية اقتصرت على الرجاء ولم تدفع بهم إلى كسر زجاج أو خلع أبواب وإلا كانت مصيبتي كبيرة المصائب.

بناء على هذه القصص السوداء التي تخص النسيان وأحواله أستطيع أن أقول: ما أكثر الذين أمضوا سنوات طوال في الدراسة والتعلم، وبعد إجازات حصلوا عليها، هجروا العلم والكتاب، وصارت مفردة الثقافة ومشتقاتها من الأسماء والمصادر والأفعال مسببات لكل أوجاع الرأس، وهذا ليس بشيء أمام الذين فقدوا بوصلاتهم وارتهنوا لتأثيرات اليوتيوب والفيسبوك، فتعتمت أدمغتهم وغشيت أبصارهم حتى أضحى اللعين سايكس ابن عم صلاح الدين، والديوس بيكو صديق عمر المختار، وكل العصابات الصهيونية أبناء عم لنا من لحم ودم، وأظن أن جامعتنا العربية ومجلس الأمن وهيئة الأمم والجمعية العمومية سيعملون في المستقبل القريب على برنامج إعادة حقهم المستلب في الجزيرة العربية.. فهل نتذكر؟ فلا نستبدل القميص بالبنطلون..وإلا قلنا لله في خلقه شؤون..وياحيف..