لطالما كرر الضابط الإسرائيلي خلال استجوابه الفلسطيني في أقبية تحقيق الاحتلال المثل الشعبي العربي: "مية عين تبكي ولا عين أمي تبكي" و"الكف ما بيناطح المخرز"، كجزء من أساليب الضغط النفسي لإجبار المعتقل على الاعتراف وتقديم معلومات، يبدأ بعدها حكاية الزنزانة حيث يمضي زهرة شبابه خلف القضبان.
اليوم أصبح هناك أمل لدى الأم الفلسطينية التي بكت لعقود من عمر الحركة الأسيرة، أن تذرف دموع الفرح وهي تكحل عينها بتحرير البطل. أما الأسير فلا تسألوه أن يصف تجربته ويحكي سرديته خلف الشمس، أو يقدم تفاصيل الوقت بين جدران الزنزانة المعتمة، فمهما حاول فلن ينقل لكم كل الحقيقة.
إنها تجربة خارج دائرة الزمن، حيت يتحول الوقت إلى أداة للتعذيب، ومع مرور السنين يصبح معلقا في منطقة بين الحياة والموت، ويرتبط سلوكه النفسي والاجتماعي بالكائنات والأشياء البسيطة، خصوصا في العزل الانفرادي، هناك تتأقلم الخصائص الإنسانية كي تتفاعل مع نملة تمر بالجوار، وقد تزعجها قطرات متساقطة من صنبور المياه.
للاقتراب أكثر من الظاهرة يمكن الاستماع إلى شهادة الأسير المحرر أحمد الفليت حول تجربته في الأسر لمدة 20 عاماً، ومحاولته الحفاظ على التوازن العقلي والجسدي داخل السجن، حيث يتلمّسون قيمة الأشياء التي لا يشعر الإنسان في الحالة الطبيعية بقيمتها، مثل رؤية عصفور أو تربية نبتة صغيرة، أو مشاهدة القمر، وصولاً لقراءة أي شيء متوفر، حتى حفظوه عن ظهر قلب.
حتى اللحظة لم نستطع تقديم صورة درامية للعالم تحاكي هذه التجربة الإنسانية الفريدة، بينما اجتهدت الدراما السينمائية العالمية للاقتراب منها، وعلى سبيل المثال كان من بين الأفلام الفائزة في أوسكار 2016 فيلم "ROOM" تدور أحداثه في حجرة من أربعة جدران تبدو مثل منزل كامل، بها مكان للطهي وحوض استحمام وتلفاز قديم، ونافذة تتيح لساكنيها ملاحظة تعاقب الليل والنهار، سنقابل هناك جاك الطفل ذا السنوات الخمس ووالدته.
تمثل "الغرفة" عالم جاك الذي لم ير سواه منذ وُلد، وبعد عيد ميلاده الخامس تقرر والدته أن تخبره بالحقيقة، إنها مختطفة في هذه الغرفة منذ سبع سنوات، أنجبته بعد سنتين منها، وأن هناك عالم بالكامل بالخارج لا يعرف عنه شيئاً، ثم تبدأ في التخطيط للهرب من سجّانها المتوحش بمساعدة طفلها الوحيد.
