23.52°القدس
23.23°رام الله
21.64°الخليل
27.73°غزة
23.52° القدس
رام الله23.23°
الخليل21.64°
غزة27.73°
الإثنين 29 يوليو 2024
4.74جنيه إسترليني
5.2دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.01يورو
3.69دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.74
دينار أردني5.2
جنيه مصري0.08
يورو4.01
دولار أمريكي3.69

ملوك الطوائف في التعيينات والوظائف

477
477
محسن الصفار

كان زياد رجلاً متعلماً من اعرق عائلات مدينة الموصل العراقية أنتقل إلى بغداد بعد حصوله على شهادة الدكتوراه وتعيينه أستاذاً في جامعة بغداد وتعرف هناك على زميلة له من كربلاء إسمها فاطمة ذات أخلاق وسمعة طيبة ومن عائلة عريقة أيضا وعلى الرغم من أن زياد من أهل السنة والجماعة وفاطمة من المذهب الشيعي إلا أن الإثنين قررا أن يتزوجا ولكي يثبتا للجميع مدى احترامهم لكل المذاهب الإسلامية وأن الإسلام واحد فقد قررا أن يبقى كل منهما على مذهبه وهكذا كان الأمر.

بعد سنة من الزواج السعيد رزقهما الله بتوأم من الذكور ولكن غير متشابهين ولكي يعززا مبدأ الوحدة والتفاهم في العائلةأسميا واحداً منهم عمر الفاروق والآخر حيدر الكرار ولم تعترض أي من العائلتين على هذه التسمية إلا أن عائلة زياد كانت تميل الى عمر الفاروق وعائلة فاطمة تميل الى حيدر الكرار!!

كبر الولدان وهما يتعلمان الدين الحنيف الخالي من التعصب الأعمى حتى بلغا سن الرشد وكان لزاماً أن يتبع الواحد منهم منهجاً فقهياً يعينه على أحكام دينة وإحتياجاته الشرعية وللمفارقة فقد إنتخب عمر الفاروق المذهب الجعفري وإختار حيدر الكرار فقه السنة والجماعة.

عاش الإثنان حياة عادية وطبيعية لم تخلو أحياناً من تعجب بعض المتعصبين من تسمية كل منهما التي يعتبروها لا تتناسب مع المذهب الذي يحملونه وكبر الإثنان وأنهوا دراستهم الجامعية وتخرجا بتفوق تام تحدث عنه القاصي و الداني وبعد تخرجهم بفترة قصيرة حدث الغزو الأمريكي للعراق وتغيير نظام الحكم وما رافقه من احداث أمنية أعاقت أن يحصل أي من الشابين على عمل أو وظيفة تليق بالدرجة العلمية التي يحملها.

قرر الاثنان السفر إلى إحدى الدول العربية القريبة على أمل الحصول على وظيفة بعد ان قاما بمكاتبات مع أصدقاء لهم يعيشون في تلك الدولة ابلغوهما بحاجة الشركات هناك الى اختصاصهما حتى تستقر أوضاع العراق ويعودا الى هناك لخدمة بلدهم.

وصل الاثنان إلى الدولة العربية بعد أن ركضا أشهراً وراء التأشيرة ولم يصدقا عينهما عندما شاهدا الإزدهار الاقتصادي والعمراني لتلك الدولة وتحسرا على العراق الذي يفوق بغناه وثرواته تلك الدولة ولكن أهله يعيشون عيشة الفقر بسبب تعاقب الأنظمة الحاكمة التي دمرت إقتصاده الواحدة تلو الأخرى.

إتصلا بالشركات التي أعلنت حاجتها الى موظفين في إختصاصهما وتم تحديد موعدين منفصلين لكل منهما لإجراء المقابلة.

ذهب حيدر الكرار الى المقابلة ودخل الى غرفة إستقبله فيها رجل أعمال بلحية طويلة ودشداشة ويحمل مسبحة وعلى طاولة صغيرة أخرى جلس سكرتيره يدون كل ما يقال وكان أول ما سأله:

- ما إسمك؟ ومن أي بلد انت ؟

- حيدر الكرار زياد من العراق .

بان الامتعاض على وجه الرجل لدى سماعه الإسم وقال:

- على أي دين أنت؟

تعجب حيدر من السؤال فعلى أي دين يكون من أسمه على اسم سيدنا علياً (رض)؟

- مسلم والحمد لله

- وأي مذهب؟

تعجب حيدر مرة أخرى فهل هي مقابلة عمل ام مقابلة فقهية!‍

- المذهب الشافعي

أجابه الرجل

- أخبرني الحقيقة وأترك ألاعيب التقية مال الشيعة!!

- أنا يا سيدي مسلم سني شافعي ولست بحاجة أن أكذب عليك علماً بأن ليس في الشيعة شيء يخجل كي أنكره.

إستدار الرجل الى سكرتيره وقال:

- إكتب رافضي!!

- أي رافضي؟ قلت لك أنا سني!!

إستدار الرجل الى سكرتيره وقال:

- إكتب منافق!!

جن حيدر وقال:

- بأي حق تتهمني بالنفاق؟ من تكون أنت لكي تقرر دين الناس؟ قلت لك أنا سني شافعي واخي شيعي جعفري وعيب عليك ان تكذبني !!

تعجب الرجل لدى سماعه هذه الكلمات وقال:

- إكتب مختل عقلياً ويهلوس!

ضغط الرجل على زر فدخل رجال الأمن وإقتادوا حيدر الكرار وطردوه شر طردة.

إلتفت الرجل الى سكرتيره وقال:

- تصور يا جوزيف !! هاذا الرافضي الحقير يتصور أنه يستطيع أن يخدعنا بإدعائه أنه سني!! خسأ والله إسمه وحده يفضحه من على بعد 100 كيلو متر!! والله ما ناقصنا إلا نعين روافض في مؤسستنا الإسلامية العريقة !!.

نادي على اللي بعده يا ابني.

أما عمر الفاروق فقد ذهب الى الشركة الأخرى وقيل له أن المدير وإسمه ....سيقابله تعجب عمر من الإسم فهو لا يبدو عربياً ولكنه لم يهتم فليس من شأنه جنسية الشخص الذي سيقابله.

دخل عمر على الرجل فوجد مكتبه مليئاً بالسجاد العجمي الفاخر وصورة كبيرة ترمز لسيدنا علياً (رض)إستغفر الله في قلبه وقال أنا شيعي ولكني أرفض تصوير سيدنا علي(رض) بهذا الشكل وبينما هو بهذا الفكر دخل رجل الأعمال وسلم عليه بلهجة عربية مكسرة:

- السلام اليكم(عليكم) كيف الهال(الحال)؟

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

- من أي بلد أنت؟

- العراق

- ما شاء الله ما شاء الله بلد الهسين(الحسين) وألي (علي) والاباس (العباس) والامامين الاسكريين ( العسكريين).

فأجابه عمر:

- وبلد الإمام الأعظم والشيخ الجليل الكيلاني أيضا يا سيدي

بدى الامتعاض واضحاً على وجه الرجل واختفت ابتسامته وقال:

- ما إسمك؟

- عمر الفاروق.

- لهذا أنت لا تهب (تحب)أهل بيت الرسول؟

إنتفض عمر من هذا الكلام الوقح وأجاب:

- أنا لا أحب أهل البيت ؟ ولماذا لا أحبهم؟ انا مسلم وليس من مسلم سني او شيعي لايحب اهل بيت الرسول وخصوصا وأنا من أتباع مذهب الإمام جعفر الصادق حفيد رسول الله.

- انت شيئي ( شيعي)؟

- نعم

فجأة إنفجر الرجل بالضحك حتى كاد أن يقع على بطنه الكبير وادمعت عيناه من شدة الضحك ولما هدأ قليلاً خاطب عمر المتعجب قائلاً:

- هذه اهسن(احسن) نكتة سمئتها (سمعتها) منذ أن جئت الى هزا(هذا) البلد, عمر الفاروق شيعي سأرويها لكل أصهابي (أصحابي)!!

- ولماذا نكتة؟ والمانع في أن يكون المرء شيعياً ويحمل اسم سيدنا عمر الفاروق(رض) صحابي الرسول وخليفته ورفيق درب سيدنا علياً؟ حتى أن سيدنا علياً أسمى أحد أبناءه على إسم عمر كل هذه الخلافات جاء بها من هم خارج هذه الامة وخاصة في العهد الصفوي واليوم تغذيها القوى الاستعمارية لتحطيم الشعوب الاسلامية والهائها بصراعات جانبية تاكل الاخضر واليابس.

إحمر وجه رجل الأعمال ونهض غاضباً من كرسيه وقال لعمر:

-إخرج من هنا يا عدو أهل البيت وحليف أعدائهم لن اعين في حياتي شخص مثلك حتى لو كنت الوحيد في إختصاصك ناصبي وكذاب في نفس الوقت والله عال شايفني همار (حمار)؟ تزهك (تضحك)اليه(عليه)؟

ونادي على خادمه الهندوسي :

- يا راجيف اطرد هذا الوقح من هنا .

خرج عمر الفاروق متعجباً من التعصب والتخلف لدى هذا الرجل وقال لنفسه من يحسب نفسه ومن قال له أن رزقي بيده؟ الأرزاق على الله الواحد القهار.

إلتقى الأخوين على الغداء وسرد كل منهما للآخر ما حصل معه وضحك كلاهما طويلاً على هذا الموقف المضحك والسخيف في نفس الوقت والذي يدل على مدى تخلف عقلية بعض الناس وحبهم للطائفية حتى أن إسم الشخص عندهم يدل على فكره ودينه ومذهبه!! وكيف أنهم يوظفون غير المسلمين مع ان ذلك ليس بعيب ولكن يرفضون توظيف مسلم من مذهب آخر!!!

وبعد الغداء قال حيدر لعمر:

- ماذا نفعل إن لم نحصل على وظيفة فيجب أن نغادر البلد ويكون كل ما صرفناه ذهب أدراج الرياح

فكر عمر لحظة وقال :

- جائتني فكرة

- ماهي؟

- نستبدل أماكننا فأذهب أنا الى الرجل السني المتعصب وتذهب انت الى الشيعي المتعصب وبذلك تنتهي المسألة.

- وهل سيصدقوننا ؟

- لاتخف فالتعصب يعمي عين صاحبه فلا يعود يرى الا ما يريد ان يراه

- توكلنا على الله

وهكذا كان فقد إستقبل كل منهما بحفاوة وتم تعيينه بشروط جيدة لأن إسمه كان يوافق مزاج صاحب العمل.

وماذا سيحدث فيما بعد ؟ الله اعلم !!!!!