صار حق الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت أحد الحقوق الدستورية للمواطنين في البلدان المتقدمة، بل تنص قوانين بعضها مثل القانون الفنلندي على حق المواطن في الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت بسرعات عالية. والسؤال هنا: لماذا أصبح الاتصال بالإنترنت بسرعات عالية ضرورياً؟
يبلغ متوسط حجم فيلم سينمائي بجودة عالية (أتش دي) نحو 2 غيغابايت، أي نحو ألفي ميغابايت، فإذا ما أردت أن تنزّل هذا الفيلم من شبكة الإنترنت إلى حاسوبك، فإنك تحتاج إلى أربع ساعات و27 دقيقة تقريباً، هذا إذا كانت سرعة اتصالك بالإنترنت 1 ميغابت في الثانية، وهي السرعة الأكثر انتشاراً في البلدان العربية.
ولكن سرعة الاتصال بالإنترنت تختلف من بلد عربي إلى آخر، وهي أسرع في بلدان مجلس التعاون الخليجي مقارنة بالدول العربية الأخرى. ففي دراسة نشرتها مؤسسة أكاماي عن حالة الإنترنت في العالم عن الربع الأول من عام 2016، وغطت حركة الإنترنت الناجمة عن استخدام البروتوكول ipv4 المسؤول عن معظم حركة الإنترنت في العالم، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عربياً و49 عالمياً بمتوسط سرعة بلغ 8.8 ميغابتات في الثانية، تلتها قطر في المرتبة الثانية عربياً و53 عالمياً بمتوسط سرعة بلغ 8.4 ميغابتات في الثانية.
فإذا كنت من مستخدمي السرعة المتوسطة في دولة الإمارات، فإنك تحتاج إلى 30 دقيقة فقط لتنزيل ملف بحجم 2 غيغابايت، في حين أنك تحتاج إلى 31 دقيقة ونصف الدقيقة لتنزيل ملف ذي سعة مماثلة في قطر. أما إذا كنت من مستخدمي السرعة المتوسطة في مصر، والتي تبلغ 2.4 ميغابت في الثانية، فسوف تحتاج -حسب تقرير مؤسسة أكاماي- إلى ساعة و51 دقيقة لتنزيل الملف، مع العلم أن عدداً كبيراً من مستخدمي الإنترنت في كافة البلدان العربية لديهم سرعات أقل من المتوسط المستخدم في كل منها.
ووفقاً للتقرير نفسه، فقد احتلت كوريا الجنوبية المرتبة الأولى عالمياً في متوسط سرعة الاتصال بالإنترنت بتسجيلها 29 ميغابتا في الثانية، وهي سرعة تزيد بأكثر من ثلاثة أضعاف عن متوسط السرعة السائد في دولة الإمارات.
سرعة الاتصال
ويبلغ متوسط سرعة الاتصال بالإنترنت عالمياً 6.3 ميغابتات في الثانية. وفي مؤشر آخر يقيس أعلى سرعات اتصال متوفرة بالإنترنت، تصدرت قطر البلدان العربية، واحتلت المرتبة الخامسة عالمياً، بسرعة اتصال بالإنترنت بلغت 89.2 ميغابتا في الثانية، في حين احتلت سنغافورة المرتبة الأولى بسرعة اتصال بلغت 146.9 ميغابتا في الثانية.
الزمن اللازم لتنزيل الملفات في الفقرة السابقة تناول ملفات الأفلام ذات الجودة العالية، أما الأفلام ذات الجودة الفائقة، التي تعرف بـ4 إكس (4X)، فيبلغ متوسط سعة الفيلم الواحد نحو 100 غيغابايت، ويتطلب تنزيل فيلم من تلك النوعية في دولة الإمارات أو قطر أكثر من 25 ساعة (وفق السرعة المتوسطة).
لا يتوفر حالياً الكثير من الأفلام بهذه الجودة، وهي ضرورية فقط في حالة عرض الفيلم على شاشة تلفزيون أو حاسوب عريضة جداً (أكبر من 50 بوصة) وتدعم تقنية 4 إكس.
وقد تزايد استخدام الشاشات العريضة جداً مع تقدم صناعتها وانخفاض ثمنها، وتبع ذلك زيادة الحاجة للأفلام ذات الجودة الفائقة (4 أكس)، وبالتالي إلى سرعات أكبر للاتصال بالإنترنت.
لقد بدأت غوغل منذ سنوات عدة ببناء شبكة إنترنت عالية السرعة في الولايات المتحدة الأميركية، عبر تقنية الألياف البصرية تعرف باسم "غوغل فايبر"، يمكن أن تصل سرعة الإنترنت فيها إلى 1 غيغابت في الثانية (حوالي ألف ميغابت)، مما يسمح بتنزيل فيلم بجودة 4أكس خلال 13 دقيقة فقط. وهذه الشبكة متاحة حالياً في 22 مدينة أميركية. وتخطط غوغل للوصول بسرعة الإنترنت إلى 1 تيرابت في الثانية (ألف غيغابت) خلال السنوات القادمة، وهي سرعة إن تمكنت غوغل من تحقيقها (وهو ليس بالأمر السهل) فسوف تسمح بتنزيل فيلم بجودة 4أكس خلال أقل من ثانية واحدة.
لكن كم تبلغ حصة مستخدم الإنترنت العربي من تدفق المعلومات؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أن أكثر من نصف سكان البلدان العربية لا يزالون محرومين كلياً من الوصول إلى شبكة الإنترنت، أي أن حصتهم صفر! فقد بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي نحو 155 مليون نهاية عام 2015، بنسبة انتشار قاربت 40%.
طبعاً تتفاوت نسبة انتشار استخدام الإنترنت من بلد عربي إلى آخر، إذ تبلغ في اليمن نحو 25%، في حين تصل في البحرين ما يقارب 75%، أما في البلدان الأكثر تقدماً فتزيد على 90%.
وبهدف إجراء مقارنات عادلة بين مختلف بلدان العالم، ابتكر الاتحاد الدولي للاتصالات مؤشراً باسم حصة مستخدم الإنترنت من تدفق المعلومات، ويتم احتسابه بتقسيم سعة قناة تدفق المعلومات في الثانية لكل بلد على عدد مستخدمي الإنترنت في ذلك البلد (بافتراض أن جميع مستخدمي الإنترنت استخدموا الإنترنت في الوقت ذاته).
ويقاس هذا المؤشر بالكيلوبت في الثانية لكل مستخدم للإنترنت. وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الدولي للاتصالات اعتمد حصة مستخدم الإنترنت من تدفق المعلومات بدلاً من اعتماد حصة الفرد، لأن استخدام الإنترنت يختلف عن استخدام الكهرباء في كونه لا يشمل كافة المواطنين.
ووفقاً لتقرير تكنولوجيا المعلومات العالمي، الذي صدر في 6 يوليو/تموز 2016 كثمرة للتعاون بين المنتدى الاقتصادي العالمي ومعهد إنسياد الأوروبي وجامعة كورنيل الأميركية، احتلت دولة الإمارات المرتبة الأولى عربياً و35 عالمياً، حيث بلغت حصة مستخدم الإنترنت فيها 80 كيلوبتا في الثانية، تلتها قطر التي جاءت في المرتبة الثانية عربياً و44 عالمياً بحصة بلغت 68 كيلوبتا في الثانية لمستخدم الإنترنت الواحد. أما الكويت التي جاءت في المرتبة الثالثة عربياً و51 عالمياً، فسجلت حصة قدرها 50 كيلوبتا في الثانية للمستخدم.
وبمقارنة حصة الفرد في دولة الإمارات مع مثيلتها في سنغافورة التي احتلت المرتبة الرابعة عالمياً، والتي بلغت حصة مستخدم الإنترنت فيها 617 كيلوبتا في الثانية، نجد أن حصة مستخدم الإنترنت في سنغافورة تبلغ نحو 7.7 أضعاف مثيلتها في الإمارات.
وتزيد كذلك حصة مستخدم الإنترنت في المملكة المتحدة على مثيلتها في الإمارات بنحو 5.4 أضعاف. لكن من الغريب أن نجد أن حصة مستخدم الإنترنت في الولايات المتحدة الأميركية تقل عن مثيلتها في الإمارات، إذ بلغت 71 كيلوبتا في الثانية فقط، وفقاً للتقرير المشار إليه، وربما يعود السبب إلى حجم السكان الكبير فيها، واختلاف زمن الاستخدام بسبب اتساع الرقعة الجغرافية، وتعدد المناطق الزمنية.
أخيراً لا بد من الإشارة إلى أن جميع بلدان العالم، بما في ذلك البلدان العربية، لديها خطط لزيادة حصة مستخدم الإنترنت من تدفق المعلومات عبر الشبكة، لكن السرعة المتوقع بلوغها بتنفيذ هذه الخطط تختلف من بلد إلى آخر.
ولذلك ينبغي على البلدان العربية، وخاصة تلك التي تؤسس لمدن ذكية كالإمارات وقطر، وضع خطط طموحة في هذا المجال كي لا تتسع الفجوة الرقمية بينها وبين البلدان المتقدمة.