24.07°القدس
23.74°رام الله
22.19°الخليل
28.09°غزة
24.07° القدس
رام الله23.74°
الخليل22.19°
غزة28.09°
الأحد 28 يوليو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.98يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.08
يورو3.98
دولار أمريكي3.66

راتب على المزاج

14
14
أيمن دلول

منذ إعلان أمير قطر تميم بن حمد قراره بصرف راتب كاملٍ لموظفي قطاع غزة، هاتفني “مرزوق” أكثر من خمس مرات بشكل متقطع وهو يتحسس أخبار صرف ذلك الراتب الذي لم يتقاضاه موظفي غزة منذ سنوات إلا مرات معدودة، وتوقيت عملية الصرف. “مرزوق” هذا الذي أتحدث عنه يعمل موظفاً مدنياً في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، حاله كحال خمسة وأربعين ألف موظف تسللت السعادة لصدورهم بعد سماعهم لنبأ التمويل القطري لرواتبهم، وكما قال “مرزوق” خلال أحد أحاديثه معي: للأمانة هذا الراتب في وقته، فقد خرجنا من عيد الفطر قبل أيام، وننتظر عيد الأضحى المبارك وبداية العام الدراسي الجديد، وأنت تعلم حجم المصروفات في هذه المناسبات، وهذا الراتب بكل تأكيد سيُسعد أبنائي وزوجتي الذين غابت عنهم السعادة لسنوات عدة بفعل عدم الاعتراف بنا من قبل الحكومة الفلسطينية والالتزام بدفع رواتبنا.

للأسف الشديد فسعادة “مرزوق” لم تستمر لوقت طويل، ورغم أنه لا ينتمي لحركة “حماس”، غير أنه فوجئ بأنه من بين نحو ألفي موظف تم حجب الراتب القطري عنهم بعد فحصهم من جهات مختلفة يُرجح أن تكون السلطة الفلسطينية أحد أهم تلك الأطراف، وما يعزز هذا التوجه هو رفضها المسبق أن تكون قوى الأمن الفلسطيني في غزة ضمن المستفيدين من هذا الراتب، وقد باءت وساطات السفير القطري محمد العمادي بإقناع السلطة الفلسطينية للموافقة على عملية الصرف بالفشل.

الحجب عن “مرزوق” دفعه للجلوس مهموماً حزيناً بصحبة زوجته وأطفاله في محاولة منه لتجهيز خطة طوارئ جديدة لمواجهة المناسبات التي تفصله عنها عدة أيام، غير أن زوجته التي في كل مرة تساعده على تقلبات الدهر “التي باتت كثيرة ومتكررة في حياتها” وضعت يدها على كتفه وأخذت تربت عليه ونطقت بكلماتٍ منها حولت مشاعر زوجها بالكامل: لا تنسى يا زوجي الحبيب أن الرازق هو الله، وليست المرة الأولى التي يتم فيها حرماننا من الراتب، فلا تقلق ما كان الله ليغلق باباً إلا لأنه يريد أن يفتح لنا أبواباً أخرى..

هنا تهللت أسارير “مرزوق”:

ونعم بالله، ولكن الذي يُحزن الإنسان أن الواحد فينا نحن الموظفون يحاول معرفة لصالح من تعمل السلطة الفلسطينية؟ هل هي موجودة لخدمة أبناء شعبها أم لخلق الأزمات في وجوههم؟ في كل يوم نكتشف أنها المتسبب في حصارنا والتنغيص علينا، فهي لا تدفع رواتبنا ولا تترك الآخرين يفعلون ذلك؟. ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل.

الحيرةُ التي يعيشها “مرزوق” ليست محصورة فيه وحده، فآلاف الموظفين من قوى الأمن وغيرهم يتملكهم هذا الشعور، وبعضهم يذهب بأفكاره إلى مسافات بعيدة في محاولة منه للتعرف على السبب الحقيقي الذي يجعل من حكومتهم ورئاسة بلدهم سيفاً مسلطاً على رقابهم وتختار الطريقة المناسبة لإذلالهم في كل مرة تختلف عن سابقتها، بل إن الكثير منهم يسأل السؤال الذي لم يجد له إجابة منذ سنوات: نحن على رأس أعمالنا وخدمنا أبناء شعبنا بكل شرف على مدار سنوات تخللها ثلاث حروب ولا نتقاضى رواتبنا، بينما عشرات آلاف الموظفين الذين يجلسون في بيوتهم بصحبة نسائهم بقرار من الرئاسة الفلسطينية ولا يعملون أو يتعبون يتقاضون رواتبهم كاملة وبشكل منتظم منذ عشرة أعوام. كيف لهذه المعادلة أن تكون عادلة؟ كيف للمعلم الذي يقضي على الأمية في مجتمعه لا يتقاضى راتبه؟ كيف للطبيب الذي يُعالج أبناء بلاده ومجتمعه لا يحصل على استحقاقه من الراتب؟ هل يستوي بأن رجل الأمن الذي يحافظ ويسهر على أمن أبناء شعبه لا يحصل على راتبه. أين العدالة في ذلك؟.

“مرزوق" والآلاف من أمثاله يبدو أنهم يعيشون في زمن تبدلت فيه قيم العدالة والإنسانية، ولذلك سيبقى الواحد منهم يئن من الألم والمعاناة بينما لا ينظر إليه البشر، فحالة الاعوجاج بالقيم الإنسانية جعلت من النظرة عليه يجب أن تكون من باب التشفي والمناكفة القذرة وليس من زاوية المسئولية والشفقة..