23.3°القدس
23.01°رام الله
22.66°الخليل
26.54°غزة
23.3° القدس
رام الله23.01°
الخليل22.66°
غزة26.54°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

انتخاباتُنا بين الوطنية والقبلية

توفيق ابو شومر
توفيق ابو شومر
توفيق أبو شومر

قال أحدُهم: بالأمس استدعانا وجيهُ عائلتِنا في المساء للضرورة، كنتُ أظن أن الاستدعاءَ كالعادة لخطبٍ جَلل يحدث في "قبيلتنا" كما جرت العادة، غير أنني اكتشفتُ أن الاستدعاء كان لسماعِ دعاية انتخابية لرئاسة البلدية، من شخصيةٍ سياسية بارزة، كنتُ أعده قبل اليوم منتِجًا للأفكار، ومثقفًا بارزًا.

كانت المفاجأة _وأنا أسمعه_ أنني أسمع شيخًا قبليًّا لا مُنظِّرًا حزبيًّا، وقائدًا سياسيًّا؛ فهو يقسِّم الفلسطينيين تبعًا لموطن إقامتهم وهوياتهم، ويدعو للاحتماء بالقواقع القبلية، ألهذه الدرجة نجحت القبلية في إعادة تدوير قياداتنا السياسية؟!، أم أن نضوب مخزون السياسيين الفكري والثقافي هو المسؤول عما آلتْ إليه الأمور؟

أهكذا نضب معين الفكر في أحزابنا الوطنية، التي كانت في القرن الماضي مركز إشعاعٍ وطنيًّا وعالميًّا؟!

هذا السياسي حوَّل حزبه السياسي إلى تجمعٍ قبلي، فقد طلب من وجيه عائلتنا أن يرشح له أحد أفراد عائلتنا لينضم إلى قائمته الانتخابية، بغض النظر عن مواصفات الحزب، ووعد هذا المسؤولُ وجيهَ عائلتنا بأن يعيِّن عددًا من شباب عشيرتنا موظفين في البلدية، لأنهم كانوا محرومين من ذلك في العصر البلدي السابق، ووعد أيضًا بشق شارعٍ واسعٍ، يصل ديوان قبيلتنا بالطريق العامة، وتعهَّد أن يُشرعن أبنيتنا المخالفة للمخطط البلدي، ثمنًا لأصوات القبيلة، والعشيرة والأسرة، حينئذٍ أدركتُ حجم المأساة التي نعيش.

فحين يجفُّ الفكرُ، ويشحُّ الإبداعُ الثقافيُ يُقدِّم السياسيون والمفكرون حقَّ اللجوءِ إلى القبيلة، ليس ليغيروا صيغتها التقليدية، ويرتقوا بها إلى الوطنية، والقانونية، بل ليحتموا بها من منافسيهم، وليشكلوا بها ميليشيا حربية، حزبية.

لم يُفلح مثقفونا وسياسيونا في إعادة بلورة صيغة القبيلة التقليدية، وتحويلها من ميليشيا إلى سيمفونية وطنية وقانونية فلسطينية، تعزف النشيد الوطني الفلسطيني، وخاصة أن تاريخنا النضالي المشرف، الذي أدهش العالم في الماضي ما زال حاضرًا في الأذهان.

لم يُفلح هذا السياسيُ أن يُضيف إنجازًا جديدًا، فهربَ إلى مضارب القبيلة، ليخفي عجزه عن إنتاج الصيغة الفكرية المطلوبة للمرحلة النضالية الفلسطينية.

نجحت دولُ العالم في تغيير صيغة القبيلة التراثية، وغيَّرتْها من ميليشيا مسلحة إلى مشاريع نهضوية، فحولوا القبائل إلى تراثٍ فني، و"لوبيات" ثقافية توعوية، بغض النظر عن الأسماء وأماكن السكن والهويات الشخصية، وصاغوها في قوالب العصر التكنولوجي الجديد: "جروبات" مهنية ومعرفية، وجماعات تُنجز الأعمال، فتغيَّرتْ صيغةُ الفخر القبلية التقليدية بالآل (آل فلان، وعلان) إلى صيغة الفخر بإنجاز الأعمال.

إنَّ مقياسَ نهضة الأمم يكون بتحويل الأوطان من مضارب للقبائل، وقواقع للعشائر، ودروع وسلاح للأسر إلى أصداف لتربية اللؤلؤ في بحر الوطن.