18.29°القدس
18.16°رام الله
18.01°الخليل
24.74°غزة
18.29° القدس
رام الله18.16°
الخليل18.01°
غزة24.74°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

التنوع غير المحدود

محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا
محمد رمضان الأغا

التنوع شيء محمود في الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وكل مناحي الحياة، بل إن الكون والحياة قائمان على التنوع، ولولاه لما كان هناك توازن يحفظ استمرارية البقاء بل استمرارية الحياة، حتى إن علماء الحياة يرون أن عظمة الحياة في تنوع مخلوقاتها الدقيقة والمتوسطة والكبيرة، وربما في تلك التي عاشت وانقرضت قبل ملايين السنين.

إن التنوع الحيوي قائم على التكامل والتناسق والتدافع بين الكائنات التي يخدم بعضها بعضًا من أجل أن تخدم الإنسان بل الحياة البشرية بكل مكوناتها وتعقيداتها، إن فكرة نشأة أو إنشاء المحميات الطبيعية حديثًا هي من أجل الحفاظ على الكائنات الحية النباتية أو الحيوانية، وذهب الإنسان إلى أبعد من ذلك كثيرًا في حفاظه على تنوع الجمادات، وإمعانًا في ذلك عقدت الأمم المتحدة اتفاقية سمتها "اتفاقية التنوع الحيوي"، ووقعتها معظم دول العالم، وذلك من أجل هدف نبيل واحد، وهو الحفاظ على هذه الكائنات وتنوعها من أجل الحفاظ على حياة الإنسان، لأنها أصلًا تقوم على التنوع غير المتناهي والتكامل غير المحدود، ووقعها خلال قمة الأرض في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 1992م نحو 192 دولة، معظمهم أعضاء في الأمم المتحدة.

وتمول كثير من الدول الموقعة هذه الاتفاقية الدولية التي أصبحت في حكم القانون الدولي مئات بل آلاف المشاريع سنويًّا، في سبيل الحفاظ على التنوع الحيوي والبيئي الذي يحتضن هذه الكائنات وإدارته، لقد أصبحت هذه الاتفاقية مكونًا أساسيًّا من مكونات القانون الدولي الذي يحكم العلاقات بين الدول المختلفة، أو مجموعات هذه الدول القائمة على أسس جغرافية أو مالية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك.

لقد أوغلت الدول الغربية إيغالًا شديدًا في عناوين مختلفة ومتنوعة في البحث العلمي، والإدارة الخاصة بالتعامل مع محاضن وبيئات التنوع الحيوي كونيًّا، حتى إن مؤسسات علمية كبرى حكومية وغير حكومية أنشئت استجابة للتوجهات الغربية في سبيل الحفاظ على الحياة فوق كوكب الأرض، وأكثر من ذلك أن معظم الشركات الكبرى العابرة للقارات أنشأت جمعيات غير حكومية، هدفها تمويل مشاريع في مختلف أنحاء العالم، مع التركيز على بعض النقاط الساخنة، التي تعاني من تدهور كبير أو نسبي في استمرارية أو استدامة الكائنات الحية النباتية أو الحيوانية، تنفق هذه المؤسسات مئات الملايين سنويًّا من أجل إدارة أفضل، وخلق بيئة أكثر جودة ومناسبة لبقاء هذه الكائنات مستمرة في دورتها الحياتية الطبيعية. وأنشئت مئات بنوك الجينات والناقلات الوراثية لمعظم الكائنات، وأوجدت بيئات حافظة تحت أقسى الظروف والبيئات المتوقعة، وهناك تبادل كبير للخبرات والدورات العلمية والمهنية والعملية بين هذه البنوك والمؤسسات، وتبادل للموارد الحيوية المختلفة بين البيئات المتنوعة في أوروبا وآسيا وأميركا وأفريقيا وغيرها، إن هذه البنوك أو المختبرات أو المؤسسات الخاصة بالحفاظ على التنوع شيدت بطريقة تسهل إدارتها ونقلها واستخدامها وإكثارها والمحافظة عليها عشرات بل مئات السنين.

وهناك أفكار قيد الدراسة تبحث إمكانية نقل نسخة أخرى من هذه الموارد الحيوية إلى القمر أو كوكب آخر كالمريخ، وذلك لتكون نسخة أو ربما نسخًا احتياطية، خشية أن تحل بالأرض كوارث طبيعية أو بشرية ليست في الحسبان، تقود إلى إهلاك الحرث والنسل والزرع، فتكون هذه النسخة جاهزة للاستقدام وإعادة التربية لإعادة الحياة وسلسلتها الغذائية نسبيًّا.

إضافة إلى ذلك هناك أفكار أخرى لبناء ملاجئ تحت الأرض على أعماق عدة كيلومترات تحت سطح الأرض أو قشرتها القارية حتى المحيطية، من أجل حفظ النسخة الاحتياطية من الحياة من أي مهددات قد تؤدي إلى انقراضها، كما حصل في العديد من المرات خلال مراحل مختلفة من تاريخ الأرض، ما أخذ ملايين السنين من الزمن لتستأنف الماكينة الحيوية عملها من جديد، الأمر الذي لا تتحمله البشرية، خصوصًا أن الانقراضات السابقة حصل معظمها قبل أو قبيل ظهور الإنسان على سطح الكوكب الأزرق.

ومع كل هذه الجهود الجبارة والأفكار الإبداعية هناك مخاوف كبرى من فشل هذه المشاريع الكونية التي ترمي إلى استمرار الحياة على الكوكب ما استطاعت البشرية إلى ذلك سبيلًا، أهم هذه المخاوف هي علم الإنسان أن عدد الكائنات التي أخذ منها نسخًا احتياطية قد لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدًّا من الكم الهائل للتنوع على سطح الأرض وقيعان المحيطات والغلاف الجوي الذي يحيط بالكوكب الإنساني، وعليه إن هؤلاء العلماء يتوقعون ألا يحدث تشغيل حقيقي لماكينة الحياة بعد الكارثة، نتيجة غياب أعداد كثيرة من الكائنات التي لا يعرف الإنسان عنها شيئًا بعد.

وختامًا إن بالإمكان القول: إن هذه الجهود الجبارة التي تبذلها البشرية من أجل حماية الحياة على الأرض تستحق أن تكون درسًا للبشرية نفسها من أجل الحفاظ على التراث الإنساني بالتنوع العقلي والفكري والثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وغير ذلك كثير؛ فتلك هي الثروات الحقيقية للإنسانية على ظهر البسيطة الزرقاء.