تشتعل صدرونا الحامية عند أول شرارة وتفور الدماء في عروقنا إذا ما تعرض أحدهم لعصبتينا سواء بالتصريح او التلميح، هكذا نحن أبناء عبس وذبيان، ورثنا عنهم ما ورثنا من حروب الجاهلية كحرب البسوس وداحس والغبراء، أـطول الحروب التي خاضها العربي في الجاهلية.
معظم حروبنا كانت لأهون الأسباب بل أتفه مما نتوقع، واليوم هكذا هي معاركنا القبلية، لآننا نجيد تقسيم المقسم، وتستهوينا "الفزعات"، فنثأر لأسمائنا وألقابنا وحوارينا وطوائفنا وفصائلنا وقرانا ومدننا وشمالنا وجنوبنا، ثم نردد أغنية فهد بلان: ويلك يلي تعادينا يا ويلك ويل ... جبهة نار تلاقينا بظلام الليل.
نكتشف يوما بعد يوم أننا ندير علاقتنا الداخلية كمن يسير على بيض، فاذا ما زلت قدم أحدهم انكسر البيض وفاحت رائحة زنخة" كما حدث في واقعة بيض الحمام يوم البسوس، وهو من أعظم حروب العرب بين بكر بن وائل وتغلب بن وائل، حيث كان "للبسوس" خالة جساس ناقة، فرآها كليب بن ربيعة قد كسرت بيض حمام في حماه كان قد أجاره، فرمى ضرعها بسهم، فوثب جساس على كليب فقتله، فهاجت الحروب بسبب ذلك، ودامت بين الفريقين اربعين سنة.
في الجاهلية الممتدة حتى يومنا تبارز العرب بالهجاء قبل السيوف فكتبوا الأشعار والمعلقات واجتمعوا في سوق عكاظ كمنصة تواصل اعلامي، يتعاكظون فيه مفاخرة ومنافرة وقامت أحيانا حروب بسبب منافرات قيلت في السوق كحرب الفٍجَار.
في يومنا استبدلوا عكاظ بالفيس بوك واستبدلوا الهجاء بالردح والتعريض، واقترنت حرية التعبير بالقدح والتشهير، وكل فريق انحاز لنفسه وقال أنا ومن بعدي الطوفان.
وفي ممارسة "الأنا" نركب رؤوسنا، ولا نتنازل الا بعد خراب مالطة، نحرك الجاهات والوساطات، نخوض معارك على الحرف والكلمة، نحلل ونفسر وننجم حول الغايات والمقاصد، نستدعي التاريخ والتراث والشرع والفرع، فأسهل المعارك وأسخنها تلك التي نخوضها مع أنفسنا، فيها نستعرض قوتنا ورجولتنا وفحولتنا، ثم نسابق بعضنا كفرسي داحس والغبراء، فإذا تقدمت إحداهما على الأخرى بحثنا خلف الأسباب لنشعل معاركنا على طريقة عبس وذبيان.
