لطالما لاحق هاجس التهجير للمرة الثانية أهالي الرشايدة الذين حرروا قريتهم بعد ١٠ سنوات من احتلالها، فوضعوا نصب أعينهم كافة الاحتمالات المتوقعة، ما عدا أن تصدر السلطة الفلسطينية قرارا بتهجيرهم عن أراضيهم المحررة.
فبين عامي ١٩٦٨ -١٩٦٩، لاحق الاحتلال أهالي الرشايدة وهجرهم إلى منطقة المنية في محافظة بيت لحم، ليحاصروا في تجمع سكني مكتظ، إذ لم يتوقفوا يوما عن المطالبة بحقهم بالرجوع إلى أراضيهم، لينتزعوه ويعودوا إلى قريتهم الرشايدة شرق بيت لحم بداية الثمانينات.
من الحطام والعدم عاد الأهالي بناء قريتهم المهدمة، ليعززوا تواجدهم فيها من جديد، كيف لا والرشايدة المنطقة الوحيدة الممتدة على سفوح جبال بيت لحم الشرقية وصولا إلى البحر الميت!!، حيث أقرب بيت في القرية يبعد عن البحر ستة كيلو مترات فقط.
مصنع إسمنت
ورغم أهمية القرية الاستراتيجية والحيوية، كما أهميتها التاريخية والمعنوية المتمثلة بالعودة، إلا أن الجهات الرسمية الفلسطينية أصدرت قرارا مؤخرا ينص على إقامة مصنع اسمنت على أراضي القرية، ما يعتبره الأهالي قراراً بتهجيرهم.
باسل الرشايدة أحد أعضاء اللجنة الشعبية في القرية يبين أن شركة سند تسعى لإقامة مصنع اسمنت على أراضي القرية وقرب منازلها، رغم أنها لم تحصل على موافقة من سلطات الاحتلال إلا بشرط إقامة المصنع على بعد خمسة كيلو مترات من المستوطنة القريبة.
وسيقام مصنع الاسمنت على أراضي مسجلة باسم "مراعي عموم عرب الرشايدة" حوض رقم (٣)، التي تعتمد عليها القرية بشكل أساسي، خاصة أن ثروتها الحيوانية تقدر بـأكثر من (٢٠) ألف رأس غنم، و(٦٠٠ جملا).
ويبين الرشايدة أنه "حسب القانون لا يجوز للدولة مصادرة هذه المراعي والتصرف فيها ما دامت مستغلة من المواطنين".
ويبعد المصنع المنوي إقامته عن القرية (٢٩٥٠) مترا، فيما تبعد عن أقرب تجمع سكاني (٥٠٠) مترا، "وسيقام في منطقة يسكن بها أهالي من القرية، منطقة مفعمة بالحياة اليومية، فيها مراعي وحيوانات كما فيها ستة آبار ارتوازية تغذي مناطق واسعة في محافظتي بيت لحم والخليل، ما يهددها بالتلوث… ما سيشكل كارثة اقتصادية وبيئية وصحية"، كما يؤكد.
ويحذر الرشايدة من خطورة انتشار مرض "الإسمنتوز" بين أهالي المنطقة، خاصة أن مصنع الإسمنت لا تفصله مسافة آمنة عن الأهالي، "وزارتا الصحة والاقتصاد منحتا ترخيصاً للمصنع دون أي شروط، فيما حصل على موافقة من الاحتلال بشرط الابتعاد عن المستوطنة خمسة كيلو مترات".
تنظيم احتجاجات
المصنع لم يقدم أي خطوات رسمية مباشرة لمجلس القرية والأهالي، ما دفعهم للبدء بتنظيم احتجاجات، وعلى خلفية ذلك تم إقالة رئيس المجلس من محافظ بيت لحم. ويوضح الرشايدة أن أعضاء المجلس قدموا استقالتهم رفضا لقرار إقالة رئيس المجلس، بعد أن سلموا الرئيس الفلسطيني رسالة مرفقة بـ (٥٠٠) توقيع من أهالي القرية رفضا لقرار إقامة المصنع.
ويبين أنه لا يوجد مجلس قروري في القرية الآن، فيما قام الأهالي بتأسيس لجنة شعبية لمتابعة الاحتجاجات، "رئيس المجلس في هذا المنصب منذ ٢٤ عاما، إلا أنه لم يصرف من منصبه إلا عندما رفض قرار إقامة مصنع الإسمنت، وهو ما مورس كأداة ضغط على أهالي القرية".
إغلاق المدرستين
وبعد خروج مدرستي الرشايدة في فعالية رافضة للقرار، أصدرت وزارة التربية والتعليم أمرا بإغلاق المدرستين ليمتد الإغلاق ليومين، قبل أن يصدر قرارا باستئناف الدوام المدرسي من مديرية التربية والتعليم في بيت لحم.
ويقول الرشايدة، "ادعت وزارة التربية والتعليم حول قرار الإغلاق بأنه جاء بسبب اعتداء أحد الطلبة على معلمة، رغم أنه تم حل الإشكالية من وجهاء القرية قبل صدور قرار الوزارة"، موضحا أن قرار إغلاق المدرستين جاء كعقاب للطلاب لمشاركتهم في إحدى الفعاليات الاحتجاجية.
ورغم التحركات الشعبية المستمرة لأهالي القرية، إلا أن صراخهم لم يخرج من قاع البئر، فيقول الرشايدة، "يوجد تعتيم إعلامي مقصود ومتعمد، نوجه الدعوات لوسائل الإعلام ولا يحضر أحد للفعاليات أو للمنطقة".
