28.33°القدس
27.9°رام الله
27.19°الخليل
29.8°غزة
28.33° القدس
رام الله27.9°
الخليل27.19°
غزة29.8°
الأحد 28 يوليو 2024
4.71جنيه إسترليني
5.17دينار أردني
0.08جنيه مصري
3.98يورو
3.66دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.71
دينار أردني5.17
جنيه مصري0.08
يورو3.98
دولار أمريكي3.66

يوميات كائن بشري

6
6
ناهض الوشاح

تمضي بنا السنون ونحن نتدلى كصرخة لم تكتمل .. وكدمعة تتعثر بين جرح لك وأخ عليك ... ظلال تنأى بك نحو طفولة غابرة .. تهرب منها كي تنجو من خوف ألجم كل الأسئلة التي ولدت معك .. فأطلت النظر في حذائك لتعرف أي الطريق يأخذك إليك .

تلملم شعث وجودك في معمعة الفوضى وترضى بالأمل الذي يسرق الزمن كي يباغتك فرح عابر أو حزن مضيء لتمضي نحو حياة تعيشك رغما عنك .. فتمشي إليها على استحياء ... وتقول في نفسك لنفسك ... هيت لك أيها العالم لنغدو أجمل ... فيقول لك: معاذ الله أن أكون من الصادقين.

تحاول التحديق في نفسك أكثر ..فترى كل هذا الحضور لكائنات خارجة من عالم مليء بالعميان إلى عالم لا يستحق إلا الرثاء والعزاء ولا باك له أو عليه.. فالمدن تسحق ساكنيها .. والجلاد لا يحمل سكينا ولا بندقية .. بل يلوح برغيف الخبز إما أن تنحني وتصدع لما تؤمر أو تموت عاجزا ضالا.

أي غفلة تجتاحنا وأي مؤامرة تدور علينا لتدوس على ما تبقى لنا من كرامة وحضارة سمعنا عنها ولم نرها إلا في روايات الخطباء والدعاة على أبواب السلاطين.

أيها الكائن العربي .. أنت أعظم معذب على وجه الأرض .. تلك الأرض التي تحني الجباه .. وتسحق القامات المرفوعة وترفع الأبراج وتُعلي العمران ... وتتغنى بالجود وكرم الضيافة .. وتناديك إلى الساحات العامة لأنك عاطل من العمل ولا تجد مأوى لأطفالك .. فالسفارة والمسجد وقاعات الفنون والمتاحف ليست لك .. للزينة ولأغراض التصوير مع بعض السياح . فأنت لست كائناً بشري .. أنت حنجرة صوتية عليها التهليل حتى وهي جائعة وخائفة ومعدمة ..بالروح بالدم نفديك يا وطن .

نتوارث الفاجعة منذ الصغر .. ولدنا ونحن مدججين بالشعارات والعبارات البراقة .. أقنعونا أننا خير أمة ... روضوا عقولنا بالحشو والشعر الفاخر .. حتى أتى يوم نسينا من أين نحن ومن نحن ... ؟؟

حضور كبير لكائنات خارجة عن الوصف بمجرد تفتح قدميك على رصيف، لا يفضي إلا لمزيد من اللهاث.. ستكتشف انك عبارة عن حذاء لا أكثر.. حين تقف أمام مستشفى حكومي كبير .. ترى مريضا واحدا .. ومعه خمسون من أهله وعشيرته .. تضل الكلمات طريقها وهي تبحث لك عن مخرج .. فلا تجد نفسك إلا في مجمع الباصات .. تريد الركوب بوسيلة نقل .. هكذا علمونا .. المجمع لنقل المعدمين والكادحين والباحثين عن عمل .. تسأل كائن مثلك هل هذا سوق خضار أم مجمع باصات لنقل البشر .. ؟؟ فيرد عليك الأسعار مرتفعة .. والناس (بدها تعيش) .

تجرجر المتبقي منك وأنت تمارس حقك في السير على الأرصفة .. كي لا تكتب إحدى الجرائد أن كائنا بشريا دهسته سيارة .. لكن الحقيقة هنا .. أن الكائن البشري لا مكان له على الأرصفة فهي محجوزة مسبقا للسيارات .

تصل أولا تصل غرفتك المزدحمة بالذكريات والكتب والصور والشعارات .. تحاول أن تسمع صوت عجوز اسمها أمك تسأل عنك في الهاتف.. ترسل لك قبلة مخنوقة .فلا تستطيع سماعها لأن مكبرات الصوت في مسجد بناه متبرع لله .. فتولاه إمام لا يتقن القراءة إلا صراخا .. فتقول في نفسك لو لم أكن مسلما لما أسلمت في مساجد بنيت للترف ولرجال لا يبلغ القرآن قلوبهم بل جيوبهم.

هنيئا لك أيها الكائن من تكون .. فالشمس في هذي البلاد تشرق كل يوم ... والناس هنا ليسو تعساء ولا سعداء .. هم لاشيء.

فتضحك في سرك كي لا تفشي سرك .. يكذبون علينا بمنتهى الصدق.