19.44°القدس
19.28°رام الله
18.3°الخليل
24.47°غزة
19.44° القدس
رام الله19.28°
الخليل18.3°
غزة24.47°
الإثنين 07 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

درسٌ مفيد من قصة تأمير أبي عبيدة وعزل خالد بن الوليد

خالد الخالدي
خالد الخالدي
خالد الخالدي

خشي الفاروق عمر أن يُفتَنَ الناس بخالد، بسبب انتصاراته المتوالية، فقرر عزله، وتعيين أبي عبيدة، ليتحقق النصر بغيره، ويوقنوا أن النصر من الله وحده وليس بجهود ومهارة العباد، وهذا اليقين في نظر الفاروق أهم سبب للنصر والتمكين.

أرسل الخليفة عمر رسالة إلى أبي عبيدة، كتب فيها: " فقد وليتك أمور المسلمين، فلا تستحي، فإن الله لا يستحي من الحق، وإني أوصيك بتقوى الله الذي يبقي ويفني ما سواه، والذي استخرجك من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلال إلى الهدى، وقد استعملتك على جند ما هنالك مع خالد، فاقبض جنده واعزله عن إمارته، ولا تنفذ المسلمين إلى هلكة رجاء غنيمة، ولا تُنفِذ سرية إلى جمع كثير، ولا تقل إني أرجو لكم النصر، فإن النصر إنما يكون مع اليقين والثقة بالله، وإياك والتغرير بإلقاء المسلمين إلى الهلكة، وغُضَّ عن الدنيا عينيك، وألْهِ عنها قلبك".

تكشف الرسالة معادن القادة الذين استحقوا النصر والتمكين، وتُظهرُ حرصاً على حياة الجند، ورحمةً بهم، ودعوةً إلى تعليق القلب بالآخرة، والتزود بالتقوى، اتساق بين التكليف والعمل والعبادة.

من المفيد أن نتوقف عند مواقف الصحابة العظام الذين استحقوا أن تفتح فلسطين على أيديهم، كيف كانوا يتصرفون عندما يعزلون، وعندما يُعَيَّنون في مناصب كبيرة.

وصل كتاب عزل خالد وتعيين أبي عبيدة إلى أبي عبيدة، فلم يُخبرْ خالداً، وظل يتعامل معه كأمير، يصلي خلفه، ويطيع أمره.

علم خالد بعزله بعد عشرين ليلة من فتح دمشق، دون أن يخبره أبو عبيدة، فدخل على أبي عبيدة، وعاتبه عتاباً رقيقاً، حيث قال: "يغفر الله لك، أتاك كتاب أمير المؤمنين بالولاية، فلم تُعلمني وأنت تصلي خلفي، والسلطان سلطانك، فقال أبو عبيدة: وأنت يغفر الله لك، ما كنتُ لأعلمُك ذلك، حتى تعلَمَه من عند غيري، وما كنت لأكسر عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنتُ أعلمُك إن شاء الله، وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما ترى سيصير إلى زوال وانقطاع، وإنما نحن إخوان، وقُوّامٌ بأمر الله عز وجل، وما يضرُّ الرجلُ أن يليَ عليه أخوه في دينه ولا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة، وأوقعهما في الخطيئة، لما يعرض من الهلكة، إلا من عصم الله عز وجل، وقليل ما هم، ودفع أبو عبيدة عند ذلك إلى خالد بن الوليد الكتاب".

إن من أهم مزايا التربية الإسلامية التي تنعكس إيجاباً على نجاح الحل الجهادي الإسلامي تجاوز المسائل المتعلقة بهوى وحظوظ النفس وتعليق القلب والعمل بالآخرة، وبالتالي تضييق هامش التنازع والصراع على المناصب.

وهذه الأخوة الرائعة وهذا الزهد في مناصب الدنيا نجده في كل حياة الصحابة الكرام... فقد اضطر عمر أن يعزل عمير بن سعد عن حمص ويضمها لمعاوية، وعندما جاءه عمير، قال له: والله ما عزلتك لأمر سوء سمعته عنك، فقال: والله يا أمير المؤمنين ما سرني توليتك ولا أحزنني عزلك".

ما أحوج قادة المسلمين في هذا الزمان، أن يقتدوا بالصحابة الكرام، ومن تبعهم بإحسان، فيصبح العزل والتأمير في نظرهم سيان، ويستمر إخلاصهم وجهادهم وعطاؤهم قادة كانوا أم جنوداً في الميدان.