20.55°القدس
20.36°رام الله
19.42°الخليل
25.21°غزة
20.55° القدس
رام الله20.36°
الخليل19.42°
غزة25.21°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

أنقذوا الجيل القادم قبل أن يغرق

براء أبو ليلى
براء أبو ليلى
براء أبو ليلى

كلٌ منا يحلم بأن يصبح ما يريد، يبذل جهده ليحقق ما رسمه في مخيلته، يخطو الفرد منا خطواته الواثقة كي يثبت نفسه، ويكافح بإصرار وعزيمة ليبلغ طموحه.

منذ الصغر وأنا أدرك بأن مهنة التعليم من أكثر المهن وقارا، وأن المعلم من الأكثر الأفراد تفانيا وإخلاصا في المجتمع، أذكر جيدا وأنا في العاشرة من عمري كنت متحمسة لأن أمتهن هذه المهنة مستقبلا، كنت أجمع الأوراق والكتب البالية لأصححها، اعتقدت بأن مهنة التعليم تقتصر على تصحيح الأوراق فقط ويا ليته بقي اعتقادي كذلك!، يؤسفني القول بأننا سنشهد لاحقا جيلا من الجهلة في ظل تردي العملية التعليمية.

عزيزي القارئ، ربما تتساءل عما الذي أقوله؟ أو ربما تحكم عليّ بأنني منفعلة لذا أتفوه بهذا الكلام !، لكن أمهلني قليلا لأشرح لك.

الروتين لا يبرر التقصير

كنت أقضي ساعات من العمل التعاوني في إحدى المدارس حسب متطلبات الجامعة، ذهلت جدا عندما دخلت أحد الصفوف الابتدائية ورأيت المعلمة نائمة على طاولة الصف والطلبة غارقون في الثرثرة مع زملائهم، في الوقت ذاته دخلت صفا آخر فوجدت المعلمة خارج الصف، علمت من الطلبة أنها ذهبت لقضاء حاجتها، مكثت عندهم حصتين، قضينا الوقت باللعب وسرد الحكايا علّها تعود لكن دون جدوى.

حاولت اختلاق الأعذار لذلك لكنني لم أجد المبررات الكافية في ظل تكرار هذا الشيء مع نهاية الدوام، إن وجدتم ما يبرر هذا الإهمال أتحفوني علّني أعفو عنهم!، حاولت أن أتساهل مع الموضوع بموجب أن المعلم سيمل من تدريس الكتاب نفسه سنويا، وبالتالي سيصل لمرحلة يُسمّع ما في الكتاب عن ظهر قلب، ولن أتفاجأ إذا حفظ أرقام الصفحات أيضا أثناء حواري مع نفسي يردُّ عليَّ صوت بداخلي ليقول لي بأن المعلم لو اختار مهنته عن رغبة وشغف سيبدع بتدريسها عاما عن الآخر، وسيختلق الوسائل التي تفك قيده من هذا التكرار الممل، لو فكرنا جيدا سنجد أن الطبيب والمهندس والمزارع والسائق ليسوا بأفضل حالا من المعلم فكل المهن تقع تحت وطأة الروتين وبالتالي الروتين لا يبرر التقصير.

هل المعلم جبان؟

الدهشة الكبرى كانت عند إعدادي لمادة صحفية حول المناهج الدراسية الجديدة اخترت الاستبيان كمنهجية لقياس مدى رضى أولياء الأمور والمعلمين عن المناهج، استغرقت وقتا طويلا في إعداد الاستبانة وتدقيقها وتوزيعها وبذلت جهدا كبيرا حتى استلمت الاستبيانات، هذه الخطوة أظهرت لي مدى الفوضى والالتزام في المدارس فبعض المدارس أعادوا لي الأوراق بطريقة عشوائية ولم أستلم إلا النصف مما وزّعته، وحتى الأوراق نفسها لا تصلح لتلميع الزجاج من شدة وضعها السيء ،على نقيض مدارس أخرى، التي أعادت لي الأوراق بعددها الكامل وبطريقة منظمة، الأمر الذي جعلني أتساءل عن تفسير لذلك؟ ربما من يدير المدرسة هو من يتحكم بمدى النظام فيها وهو من يفرض نوعا من الاحترام للإدارة والهيئة التدريسية وهذا ما افتقدته بعض المدارس التي زرتها أذكر أن طلبة المدرسة التي كنت أدرس فيها كانوا يخشون الدخول للإدارة وكانت لها رهبة وثقل، لا أعلم صراحة إذا كانت المشكلة في الزمان أو في الأشخاص، لكن ما هو واضح أنّ الفوضى مُتفشية بأصغر مؤسسة في الدولة فماذا ننتظر من أكبرها؟!

كنت أتوقع بأنني سأجد صعوبة في تحليل استبيان أولياء الأمور لوجود سؤالان يحتاجان للكتابة، لكن ما حدث خلاف ذلك فوجدت أن الأهالي متعاونون وأن الصعوبة تمثّلت في استبيان المعلمين الذين سلّموني الأوراق فارغة ولم يكلّفوا أنفسهم للإجابة عن بعض الأسئلة التي تصبّ في مصلحة الطالب رغم أخذهم الوقت الكافي لتعبئتها، إذا المعلم نفسه غير مبالي فمن سيكترث بمستقبل الجيل القادم! وليس ذلك فقط ما أثار حيرتي عند إجرائي للمقابلات مع بعض المعلمين هو خوفهم من ذكر اسمهم ومن نسب تصريحاتهم وآرائهم حول المنهاج لهم، وهذا جعلني أفكر في السبب الذي يدفع المعلم الذي يقول الحق لأن يكون شخصا جبانا؟

ماذا سأصبح عندما أكبر؟

رأيت مجموعة من الأطفال الصغار خارج المدرسة، كانوا متشاجرين، ولكي أخفف من حدة الشجار، بدأت أتحدث معهم عن مهن المستقبل وماذا سيصبح كل طفل منهم لاحقا، سررت كثيرا عندما سمعت طموحاتهم فهناك طفل أخبرني بأنه سيصبح رائدا للفضاء وآخر أخبرني بأنه سيصبح رسّاما كي يرسمني، هذا بالإضافة للمهن الأخرى مهندس وطبيب ومعلم وغيرها الكثير، لكن المهنة التي تعجبت من ذكر غالبيتهم لها هي أن فئة منهم يريدون أن يصبحوا "عمال في إسرائيل"، هذا حسب ما أخبروني، بعد أن سمعت ذلك وصدى الكلمة يرنّ بأذني، فندائي لكل معلم ومعلمة استيقظوا وأنقذوا الجيل القادم قبل أن يغرق