نعيش في أيامنا هذه مرحلة مصيرية في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني لا تقل أهمية عن الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية، فقد أثبتت حركات المقاومة الشعبية السلمية ومنها الإضراب عن الطعام نجاعتها عبر تاريخها الطويل، إذ جمعت بين نبل المقصد والأسلوب ووضع الطرف الآخر أمام معضلة أخلاقية كبرى مع جعل الوقت والرأي العام عوامل حاسمة في الصراع. والإضراب عن الطعام ليس حديث العهد بل يعد أحد أقدم وسائل الاحتجاج السلمي التي اتبعتها شعوب مختلفة في العالم لنيل حقوقها المغتصبة. ولعل أولى هذه الحركات كانت في الهند قبيل المسيحية، إذ كان صاحب الحق يضرب عن الطعام أمام بيت خصمه حتى إذا مات على عتبة داره أصاب الخصم الخزي والعار. وقد حافظت الهند على أسلوب المقاومة الشعبية السلمية حتى تاريخها الحديث ولعل أشهر من قام بها هو المهاتما غاندي الذي عرّض حياته للخطر مرات عدة في مقارعة الاحتلال البريطاني لبلاده. وشارك غاندي العديد من أبناء جلدته أشهرهم داس وسينج اللذان أرغما البريطانيين على الرضوخ لمطالبهما بعد أن حققا أطول إضراب عن الطعام في تاريخ البشرية إذ دام 116 يوماً. أما في إيرلندا فقد استخدم الجمهوريون في السجون الانجليزية الإضراب عن الطعام مرات عدة لمواجهة التعنت الانجليزي حتى قضى العديد منهم نحبه رافضين الحلول الجزئية، رغم أن إنجلترا حاولت تضليلهم بوعود كاذبة لفك إضرابهم ولكنهم سرعان ما كشفوا أمرها وعاد الإضراب أكثر حدّة وفعالية من ذي قبل إلى أن انصاعت إنجلترا إلى مطالبهم وأطلقت سراح المعتقلات أولاً من الجمهوريين ثم المعتقلين بعد عام. وفي بدايات القرن العشرين، تبنت نساء محتجزات في السجون البريطانية بتهمة مطالبتهن بحقهن في التصويت، طريقة الإضراب عن الطعام حتى الموت أثناء محاولات تغذيتهن القسرية تحت أيدي سلطات السجون الآثمة . سرعان ما تغير القانون البريطاني ليخلي سبيل المضربات عن الطعام إذا ما ساءت حالتهن على أن يرجعن لتتمة فترتهن بعد أن يتعافين. وكانت إضراباتهن النواة التي بنيت عليها حقوق المرأة في بريطانيا. وما زالت منظمات حقوقية عالمية تناقش شرعية الإطعام القسري للمضربين بين من يرى أن فيها تجاوزاً لرغبة الأفراد بطرق غير إنسانية ومن يرى أن المحافظة على حياة الفرد يجب أن تعطى الأولوية. إذاً الإضراب عن الطعام قديم قدم التاريخ، كان وما زال وسيلة فعّالة استخدمها السجناء السياسيون خاصة لنيل حقوقهم وحقوق شعوبهم المسلوبة. فالهند نالت حريتها وايرلندا استرجعت سيادتها والمرأة الأوروبية حصلت على حقوقها كاملة. هذه الدروس التاريخية تعطينا العبر بأنه مهما حاول العدو استخدام وسائل ضغط تحمل الترغيب تارة والترهيب تارة أخرى، فإن تصميم الأسرى وبشكل جماعي على متابعة إضرابهم سيأخذهم بإذن الله إلى نهاية النفق المظلم، حيث ينتظرهم فجر مجد يتسامى.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لتخصيص تجربتك ، وتحليل أداء موقعنا ، وتقديم المحتوى ذي الصلة (بما في ذلك
الإعلانات). من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على استخدامنا لملفات تعريف الارتباط وفقًا لموقعنا
سياسة ملفات الارتباط.