تعيش دولة الاحتلال حالة غليان سياسي داخلي في ظل تسريب أجزاء من تقرير المراقب العام للدولة حول الفشل في الحرب الأخيرة على غزة عام 2014 بالإضافة للكشف عن قضايا فساد ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ما يهدد بقاء الحكومة الإسرائيلية في حال الوصول لإنهاء بنيامين نتنياهو سياسياً خلال الفترة المقبلة.
حالة الغليان وانتظار ما ستؤول إليه لجان التحقيق مع نتنياهو وإمكانية تقديم لائحة اتهام رسمية ضده من قبل الشرطة الإسرائيلية، بالإضافة للاتهامات حول الفشل في الحرب على غزة، قد يُرى أنها ستقلب معادلة الهدوء والاستقرار الذي تعيشه المنطقة بما يجر حرباً جديدة، إلا أن هذا الاعتقاد ربما يصطدم بكثير من العقبات الموضوعية.
ويرى مركز الدراسات الإقليمية في دراسة "تقدير موقف" أن دوافع دولة الاحتلال لشن حرب جديدة على قطاع غزة لازالت غير مكتملة في قضايا أساسية، أبرزها عدم وضوح أهداف الحرب وما يمكن تحقيقه، وهنا من ناحية سياسية لا يمكن لدولة الاحتلال الدخول في الحرب قبل المرور بمرحلتين.
المرحلة الأولى: هي مرحلة الاعتبارات الاستراتيجية، فإقدام دولة الاحتلال على دخول الحرب يحتاج لضمان الوفاء بعدة اعتبارات أبرزها (ما هو الهدف الرئيسي للحرب؟ وما يمكن أن نحقق من دخول هذه الحرب؟)، وهذا الاعتبار تعزز حالياً بشكل كبير بعد ظهور تسريبات الكابينت عن الحرب الماضية بعدما أظهرت أن تلك الحرب لم يكن لها هدف واضح، بمعنى أكثر واقعية في الوقت الحالي أن (من يريد من قادة الاحتلال الدخول لحرب جديدة عليه أن يضع أهدافاً واضحة لتلك الحرب ويضع تصورات لما يمكن تحقيقه منها).
وفي هذا الإطار لا يملك نتنياهو أي مصوغ جديد لشن حرب جديدة، بالإضافة إلى أن وزير الجيش أفيغدور ليبرمان ومعه نفتالي بينت لا يمكن أن يغامروا بهدف كالذي كانوا ينادوا به خلال الحرب الماضية المتمثل بالقضاء على سلطة حماس في غزة لأنهم سيتحملون تبعات هذا الأمر من تكلفة باهظة خاصة مع عدم ضمان بديل مناسب لحماس، وعدم ضمان أي فترة هدوء على جبهة غزة لسنوات طويلة بعد تلك المرحلة.
المرحلة الثانية: هي توفر بيئة الحرب ومركباتها التي تساعد "إسرائيل" على تحقيق أهدافها وهذه تتمثل بالواقع الإقليمي والدولي بالإضافة للبيئة الداخلية للخصم، وفي هذا الإطار البيئة الدولية والإقليمية والفلسطينية الداخلية ربما تساعد “إسرائيل” على تحقيق أهدافها إلا أن هذه المرحلة مرتبطة بالمرحلة الأولى وهي تعتبر مكملة لها وليس العامل الأساسي الذي قد يدفع “إسرائيل” لدخول الحرب، فالعامل الأساسي هو وجود هدف استراتيجي للحرب.
النظام السياسي في "إسرائيل" نظام غير مستقر حالياً، وعليه فالقادة السياسيين وأقطاب الحكومة يتمتعون بحذر في التعامل مع القضايا السياسية الحساسة وخاصة الحرب.
وفي ظل وجود غادي أيزنكوت على رأس قيادة هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي تصبح عملية استخدام الجيش بطريقة حزبية ومصلحية صعبة ومعقدة، لأن أيزنكوت معروف عنه بأنه ذو مواقف متصلبة في مواجهة أعضاء الكبينت الذين سيحاولون استخدام الجيش بطريقة تخدم مصالحهم الحزبية.
من ناحية أخرى اليمين الإسرائيلي يعتبر معركته الآنية هي معركة الضفة الغربية والسيطرة عليها، وعليه فإن الضغط الداخلي على الحكومة حول قضية غزة لن يكون كافياً.
قيادة نتنياهو لحرب جديدة على قطاع غزة خلال الفترة المقبلة، سيفهم أنه تصدير لأزمة فساده وليس تصدير للأزمات الداخلية المتعلقة بخلافات الحكومة واخفاقات الحرب، وهذا التفسير يجعل المعادلة صعبة على نتنياهو فالحرب تعني تضحية بمستقبله واثبات حقيقي لفساده أمام الجمهور الإسرائيلي.
وفي إطار آخر طالما لم يجد الجيش الإسرائيلي حلً لمعضلة الأنفاق تبقى معادلة الحرب معقدة أمام صانع القرار في “إسرائيل” لأن ما كشفته التسريبات الأخيرة عن مناقشة الكبينت لقرار الحرب عام 2014 يعطي رأياً عاماً إسرائيلياً ضاغطاً بإمكانية تحقيق فشل جديد في ظل غياب الهدف الاستراتيجي وهذا يؤثر على مكانة صانع القرار السياسية مستقبلياً، ما يجعل صانع القرار متردداً في الدخول للحرب.
المراهنة بأن "إسرائيل" قد تشن حرباً فجائية وغير متوقعة على قطاع غزة تفضي للقضاء على الحركة وحكمها، في غير محلها في ظل عدم توفر بديل مناسب لحماس أو إيجاد حل لمعضلة الأنفاق، لأن أي حرب قد تبدأها “إسرائيل” دون تحقيق نصر فيها تعني تحسين وضع حماس وتخفيف الحصار عنها وتقديم تنازلات لإنهاء الحرب، وهذا ما لا ترغب به “إسرائيل” خلال هذه المرحلة بشكل قاطع.
وأشارت الدراسة إلى أن الاحتلال لا يمتلك خلال الفترة الحالية الاعتبارات الاستراتيجية لدخول حرب ضد قطاع غزة (هدف الحرب؟ وماذا سنحقق منها)، مع العلم بأن فرص اقدامها على حرب تتعزز في حال وصلت لهدفاً استراتيجي مثل قائد كبير في المقاومة أو مكان سلاح يكسر المعادلة بشكل كبير، أو مكان الجنود الأسرى في غزة.
ونوهت إلى أن وجود غادي أيزنكوت في هيئة الأركان يمنع استخدام الجيش لأهداف حزبية لأعضاء الكبينت، مبينةً أنه طالما أن العدو لم يجد حلً لمعضلة الأنفاق الاستراتيجية سيتردد كثيراً في دخول حرب جديدة.
وتطرقت إلى أنه طالما حماس لا ترغب في دخول حرب جديدة مع الاحتلال خلال الفترة الحالية لن يجد العدو مبرراً لشن أي هجوم قريب.
وأشارت إلى أن حماس باتت تملك معادلة الحرب فأي عملية من طرفها قد تشعل الحرب لأن العدو لن يستطيع امتصاصها نظراً لوضعه السياسي الداخلي، بينما استفزازات العدو يمكن للحركة امتصاصها ما لم تمس بالخطوط الحمراء.
ولفتت إلى الاستعدادات التي تجري على حدود غزة والمناورات الإسرائيلية المتواصلة تأتي في إطار التدريبات الاعتيادية وفق خطة جدعون التي أقرها أيزنكوت لرفع كفاءة الجيش وابقاءه على أهبة الاستعداد.
فيما ذكرت أن الجيش الإسرائيلي لم يكمل تطبيق خطة جدعون في قضية إعادة هيكلته وبناءه وفق رؤية تواكب الواقع حيث وضع لهذه الخطة سقف حتى نهاية العام 2018.
