عجّ المكان بالمسافرين، وامتلأت الصالة المصرية بمئات الحالات الإنسانية، الكل بحاجة للسفر من أجل علاج أو تعليم أو تجديد إقامة، ومع اقتراب الساعة من السادسة مساء أيقن جميع من في الصالة المصرية أمر النوم داخل الصالة لهذه الليلة بفعل دخول حظر التجول منطقة سيناء.
مع دخول ساعات المساء خيم صمت رهيب على المسافرين، الكل يبحث عن شيء يقيه برد الشتاء، سيدات غير محجبات، وأخريات منقبات، وأطفال صغار، شباب وشيوخ، الكل شد مئزر معطفه، ومن تسنى له حرام أو بطانية التف بها، واحتضن الأرض، وأخذ يعد الساعات على أمل الحصول على جواز سفره مسموح له بالدخول، بانتظار شروق الشمس كي يتسنى له العبور.
ليلة النوم في الصالة المصرية لمعبر رفح ليست كأي ليلة، هي ليلة أجمع جميع من جربها وذاق معاناتها على أن أجرها كبير نظرا للمشقة الكبيرة التي يتعرض له المسافرون، فإذا كان السفر قطعة من العذاب كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن السفر الذي يصاحبه النوم بداخل الصالة المصرية يمثل قطع من العذاب، لكن لمن اضطر فلا بأس بيومين من السفر المتواصل كي يصل إلى القاهرة في سبيل تحقيق ما يريد.
وعلى طبيعة الأطفال التي خلقهم الله عليها، فإن الضوضاء والازدحام من الأجواء التي لا تناسبهم، فكيف إذا صاحبها ببرد شديد، والجلوس على كرسي من الحديد إن تسنى لك بالأصل ذلك، أو الجلوس على الأرض لما يزيد عن 12 ساعة كحد أدنى، وقد تصل ساعات الانتظار داخل الصالة المصرية لما يقرب من 20 ساعة لبعض المسافرين.
بحثا عن الهجرة
وبين جنبات الصالة المصرية لمعبر رفح يعج المكان بمئات الشباب الذين جمعتهم معاناة السفر، وفرق المصير بينهم، مئات الشباب الذين ضرب الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بمستقبلهم، فما كان لهم إلا وجهة الهجرة بحثا عن المستقبل المجهول.
الشاب بلال صاحب الثلاثة والعشرون عاما اختار من تركيا وجهة له، حيث أكد على أنه ذاهب للعمل في أحد مصانع الشيبس إلى حين أن يكتب الله له مستقبلا أفضل.
ومن المفارقة التي تدل على المستقبل المجهول للشباب أوضح الشاب محمد رفيق بلال بالسفر على أن ساعات العمل بمصنع الشيبس بتركيا تمتد لما يزيد عن 11 ساعة يوميا بمرتب 350 دولارا، وهو لا يتناسب مع متطلبات المعيشة في تركيا، لكنها مرحلة مؤقتة للتجهيز لما بعدها، بحسب قول محمد.
وبين جنبات الصالة المصرية يتزايد طموح الشباب بالعبور نحو مطار القاهرة الدولي، منهم من يسمح لهم الأمن المصري بالعبور، ومنهم من يحرمهم العبور بدون إبداء أسباب، كما يشير الشاب وليد الذي أرجعه الأمن، مؤكدا أن وجهته تكوين مستقبل له في ظل غياب الواقع في قطاع غزة لكثير من الشباب.
مرضى على مقاعد المعبر
الشاب أحمد يصف حال المرضى داخل الصالة المصرية من المعبر بقول: "كنت شاهدا على قصة مؤلمة لأحد مرضى السرطان، حيث دخل إلى مكتب الأمن الوطني المصري للمقابلة، وأخرج مريض السرطان التحويلة الطبية للضابط، نظر لها الضابط لوهلة، وأخبره أنه مدرج أمني، ولا يسمح له بالسفر بتاتا، فقاطع المريض كلام الضابط بصوت متقطع ممتلئ بالآلام، بعبارات أنا مريض أعد أيامي، فما كان من الضابط إلا أن رفض إدخاله وعاد المريض يعد أيامه في قطاع غزة".
ويضيف أحمد من المفارقات العجيبة التي حصلت مع مريض السرطان أن سمح الجانب المصري بإدخال مرافقه، في حين رفض إدخال مريض السرطان الذي تغلل الألم والمرض بجسده، وخرج يعد أيامه بانتظار قضاء الله وقدره.
وليس ببعيد عن أحمد تجلس سيدة على كرسي متحرك، حاولت مرافقتها جاهدة تدفئة قدميها، ولفتها بحرام وبعض الملابس التي لم تجنبها البرد الشديد داخل الصالة المصرية، على أمل العبور نحو إيجاد العلاج المناسب.
ويضيف أحمد: "بينما أنا منهمك بكتابة الورقة التي تدرج داخل جواز السفر، قاطعني أحد الشباب بقوله اكتب لي ورقتي، نظرت له فإذا به ضعيف النظر بشكل كبير، لا مرافق له، كتبت له ورقته، وساعدته في تقديمها بالمكان المخصص، وجلس المريض حتى الواحدة ليلا، استلم جوازه مسموح له بالمرور، وظل حبيس الأرض يلف نفسه بمعطف خفيف يقيه بعض البرد لحين السماح لهم بمغادرة الصالة المصرية بعد الساعة السادسة صباحا مع انتهاء وقت حظر التجول في سيناء".
على بوابة معبر رفح حكايات معاناة كثيرة، منهم من كتب الله لهم بالعبور، ومنهم من أوقفهم قرار بعدم العبور، منهم من لم يحالفه الحظ بالوصول إلى الصالة المصرية، ومنهم من لا يزال يؤمل النفس بالوصول إلى هدفه ولو بعد حين.
