مع ارتفاع وتيرة التصريحات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة حول مواجهة جديدة مع قطاع غزة، يأتي تقدير الموقف مغايراً عما يدور في رحى الإعلام، فالواقع على جبهة قطاع غزة لا يدلل على ذلك وسمته الهدوء الذي يتمنى جيش الاحتلال أن يدوم طويلا.
ومنذ تسرب معلومات تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي، أطلق قادة الاحتلال وسياسييه مطالباتهم بحرب على حماس والمقاومة، وتأليب نتنياهو وجيشه على غزة بعد أن ثبت فشله ووزير جيشه السابق موشيه يعالون في الحرب الماضية على القطاع صيف 2014.
وحسب ما أورده إعلام الاحتلال فإن التعامل مع المقاومة وأنفاقها في غزة كان صعباً وفشل الجيش في إدارة الحرب مع حركة حماس وحسمها، خاصة أنه لم يمتلك التفاصيل الكاملة حول أنفاق المقاومة التي كان هدفه تدميرها لكن لم يحققه مما يؤكد تخبطه.
ويؤكد الخبير العسكري اللواء يوسف الشرقاوي لـ "فلسطين الآن" أن فشل الاحتلال في التعامل مع الأنفاق نجاح كبير لحركة حماس والمقاومة في غزة لأنها تمكنت من تضليل العدو لسنوات عديدة، حيث قيادته العسكرية لم تكن لديها معلومات عن الأنفاق في غزة.
المقاومة لن ترفع الراية
وبعد تصريحات وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان بأن أي حرب مقبلة ستستمر حتى ترفع المقاومة البيضاء، يرى الشرقاوي بأن المقاومة لا يمكن رفع الراية البيضاء بل لديها صواريخ وأنفاق للمواجهة، مما أثر على الرأي العام الإسرائيلي سلباً باستحالة ذلك.
ويشير إلى ما وصفت به التقارير الأوربية جيش الاحتلال بـ "العاجر" أمام المقاومة، و أن "إسرائيل" لا تقدر على أن تحارب وحدها وفي تأكيد بأن جيشها لا يستطيع حمايتها.
وفي منظور الاحتلال، يبيّن الشرقاوي أن حركة حماس لم تعد "منظمة إرهابية" كما في الماضي، بل هي جيش صغير ومنظم ويعمل في ألوية وكتائب عسكرية أكثر تنظيماً.
وقوع الحرب "مغامرة"
وحول احتمالية حرب جديدة، يرى الخبير العسكري أن وقوعها "مغامرة" من نتنياهو للتغطية على التحقيقات حول فساده وعلى ما تناوله تقرير مراقبة الدولة، متوقعاً أن يتملص هو وليبرمان بمواجهة مع قطاع غزة أولبنان.
ويؤكد الشرقاوي أن أمر الحرب وارد وممكن بشكل كبير في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، قائلاً: الاحتلال الإسرائيلي كثف الاستيطان مع قدوم ترامب وممكن أن يكثف العدوان.
في حين يري المختص في الشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن التهديدات ضد غزة تأتي في سياق التفاعل مع تقرير مراقب الدولة ومحاولة من بعض الجهات داخل المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية بالتغطية على المعلومات التي تنشر في الإعلام.
ويشير أبو عامر في حديث لـ "فلسطين الآن" إلى أن جيش الاحتلال يحسن من حالته بأقواله أنه يمتلك قرارات حاسمة للرد على حركة حماس بضربات صاعقة والحديث يدور عن أنه سيدمر جميع الأنفاق بقوة، لافتاً إلى أن التعليقات الإسرائيلية من مصادر عسكرية أو سياسية تأتي في سياقات سياسية وليس بمعناه ارتفاع حالة التوتر بين غزة والاحتلال.
الوضع لا يستدعي المواجهة
وأرجع المختص ذلك إلى أن السياسة العامة في قطاع غزة مفهومة من البداية أنه ما دام هناك هدوء فلا داعي للتعجل بالحرب لكن إذا اختطلت الأمور داخل القطاع وتدهور الأوضاع على الحدود ينذر بمواجهة.
ويؤكد أن الوضع الحالي مقبول من جهة الاحتلال وأنه لا يستدعي عملية عسكرية، موضحاً أن القيام بها سيكون خلفها أهداف سياسية إما تحقيق الأمن للإسرائيليين أو القضاء على حركة حماس، وهذا يعني بأن الاحتلال لن يشن حرب حتى النهاية ضد حماس.
ويقول أبو عامر: "الحرب مع غزة لن تكون نزهة والاحتلال جرب حرباً لمدة 51 يوماً، وواجه مشكلة في التوصل إلى تهدئة .. الحرب مدمرة لكنها مكلفة على الطرف الإسرائيلي وسيدفع أثمان قاسية ليس من السهل تجاوزها".
وينبه إلى أن الهيئة القيادية لدى الاحتلال من وزراء وقادة الجيش متفقون على القيام بعمل عسكري بأي شكل من الأشكال، لكن إن كان لديه قرار بحرب على غزة فهي "مغامرة".
الاحتلال يخشى الثمن
ويدلل أبو عامر على صعوبة اندلاع حرب قريبة، بعدم استعداد الاحتلال لدفع الثمن، مستدلاً بأقوال سابقة لموشيه يعالون بأن نقطة الضعف في الأمن الإسرائيلي هو أن القيادة العسكرية عندما تخطط لأي حرب فإنه يثقلها تكلفتها.
ويعلق على ذلك بالقول: إن وصل الاحتلال إلى هذه المرحلة من الحسابات فهذا يدلل أنه فشل في تحقيق الأهداف، وهو يوغل كثيراً في موضوع التكلفة وغير مستعد لدفعها في أي عمل عسكري وفشل فشلاً ذريعاً في هذا المجال.
وبشأن تسمية ليبرمان الهدوء مع غزة بـ "المخادع"، يجد أبو عامر أن الحرب ممكن اشتعالها في أي لحظة، مبيناً أن الحالة السلمية "اعتراضية" وأن الحالة الأساسية قائمة على الصراع والهدوء "عابر" وكلا الطرفين يستعد للمواجهة القادمة.
وينوه إلى أن الحرب إن وقعت فإنها ستكون قاسية على الاحتلال لأن المقاومة في غزة استفادت خبرة وتجربة وزادت من قوتها.
