على خلاف العرف السائد بين غالبية الزعماء العرب من مقاطعة حضور القمّة العربية وقصر التمثيل على موفدين أو ممثلين خاصين، نجحت الأردن في حشد أكبر عدد ممكن من الزعماء منذ سنوات طويلة.
ملوك وأمراء ورؤساء 16 دولة عربية وصلوا إلى عمّان للمشاركة في اجتماع القمّة العربية في دورتها الثامنة والعشرين، أبرزهم مصر والسعودية والمغرب وتونس وقطر والكويت وفلسطين والإمارات يمثّلها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، فيما كان رؤساء الجزائر والعراق وليبيا وسلطنة عمان أبرز الغائبين وإن حضر مندوبون عنهم.
الحضور اللافت للزعماء العرب قابله تجاهل شعبي عربي واسع على امتداد الوطن العربي الكبير وصل صداه من الشوارع إلى ساحات مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر".
"أوطى قمّة"
ففي مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تشكل مرصدًا لاهتمامات الشارع العربي، لم تحظَ قمّة عمّان بالكثير من المنشورات والتعليقات الجدّية أو الكوميدية التي كانت سمة جماهيرية عربية ملازمة لكل مؤتمر، وانشغل غالبية النشطاء بالكتابة والتدوين عن موضوعات مختلفة ليس من بينها على الإطلاق قمّة عمان.
ولعل التعليق الأبرز على مؤتمر القمّة ما كتبه أحد النشطاء من أنّ "أوطى مكان في العالم يشهد مؤتمر قمّة العرب"، في إشارة إلى مكان انعقاد القمّة العربية قرب البحر الميت؛ الذي يعتبر أخفض نقطة على وجه الأرض.
وفي تعليق آخر، كتب أحد النشطاء "الزعماء يجتمعون (لإحياء) التواصل العربي في البحر (الميت)، ومؤتمر (قمّة) في (أخفض) بالعالم".
ورغم أن قمّة عمان، التي تعقد وسط إجراءات أمنية مشدّدة، ستناقش مجمل القضايا والملفات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها قضية فلسطين، والأزمات في سوريا واليمن وليبيا، والدور الإيراني في المنطقة العربية، إلا أن الشعوب العربية لا تبدي حيال القمّة وقراراتها أي اهتمام أو متابعة، فبنظرهم أن "القرارات لن تساوي قيمة الورق التي كتبت عليه"، وفق رأي أحد النشطاء.
"قمّة الخوف"
وبرأي المحلل السياسي طلال عوكل فإن غياب الاهتمام العربي بمؤتمر القمّة أمر مفهوم لأن "المواطن العربي فقد الثقة في كل الاجتماعات سواء القمم العربية أو غيرها".
وتساءل عوكل، في حديث خاص بـ"فسلطين الآن" صباح الأربعاء، عن الحال الذي وصل إليه العرب اليوم بعد 28 قمّة عربية مختلفة، مجيبًا "النتيجة أن أوضاع الشعوب عادت للوراء، لمزيد من الصراع والتفكك والتفتّت، والنظام العربي الرسمي هو المسؤول عنه".
ويعتقد المحلل السياسي أن المواطن العربي بات يعرف أن القادة العرب يتكلموا كثيرًا ويفعلوا قليلًا أو لا يفعلون شيئًا، والدليل ما حدث ويحدث في قضية فلسطين منذ سنوات "فالشعارات كثيرة والأفعال قليلة جدًا".
وأوضح "المواطن المطحون في صراعات دامية بتدخلات أجنبية أو بسياسيات عربية متناقضة ومتعارضة، أو المواطن الذي لم تصله النيران ويشعر بالتهديد والخوف ومطحون بالفقر، كيف سيهتم بالقمة العربية؟".
وسمّى عوكل القمّة العربية في عمّان بـ"قمّة الخوف"؛ معتبرًا أن مشاركة الزعماء العرب فيها يأتي لشعورهم بالتهديد ويدفعهم عامل الخوف فقط.
واستبعد أن تخرج القمّة بقرارات جادة أو مصيرية، مضيفًا "ستكون قمة قراراتها إما مكررة أو ردة فعل، ولن تكون هناك مبادرة عربية لتعريب مشكلات وأزمات الأمة، وسيظل المشروع أمريكي، والمشروع أوروبي، والتدخل روسي، والتدخل الإيراني، حاضرا لأن العرب يستطيعون تحديد العدو الرئيسي للأمّة".
وكمثل القمم العربية السابقة، يبدو أن الشعوب العربية لن تبني آمالًا كبيرة أو صغيرة على قمّة عمّان بالخروج بقرارات أو مبادرات تساهم في حل المشكلات في سوريا والعراق واليمن وليبيا، بخلاف القضية الفلسطينية التي يبدو أنّ ورقتها احترقت في أتون المشاكل العربية المشتعلة، ولم تعد قضية جوهرية للزعماء العرب.
