19.19°القدس
19.02°رام الله
18.3°الخليل
24.73°غزة
19.19° القدس
رام الله19.02°
الخليل18.3°
غزة24.73°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

نقل رُفات شهدائنا في فلسطين إلى الأردن

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

 ابتداءً، نحن نعتزُّ ونُفاخر أن لنا شهداء على أرض الإسراء والمعراج من عموم قطاعات شعبنا الأردني، ولاسيما من أفراد الجيش العربي، قَضَوا دِفاعاً عن فلسطين العزيزة في مواجهة عصابات العساكر اليهودية الغازية، وخاصة سنة 1948م و1967م، لأن في ذلك إثباتاً عمليّاً على التحام الإخوة بين ضفّتي النهر المُفدّى، وأننا في الشرقية منه لم ولن نتخلى يوماً عن الاشتراك ، بل التقدم لحرب الصهاينة المحتلين لفلذة كبدنا الأخرى في القدس وما جاورها من هذه البلاد المشرّفة، كما أنّ فيه دلالة قبل كل شيء على منزلة فلسطين العظيمة في نفوس كل عربي صادق ومسلم غيور .

 غير أنّ مما يُثير الاستغراب أو يبعث على الدهشة والاستهجان، أنْ يحرص الأردن في أكثر من حالة ومنها ما جرى يوم الأربعاء (5/4/2017م) على نقل رُفات بعض شهدائنا الأبرار الذين أرخصوا دماءهم في سبيل القدس الطّهور وفي بلدة صور باهر منها بالذات إلى عمّان ليُدفنوا هنا في مقبرة (أم الحيران) جنوبي العاصمة مع آخرين في حالات مشابهة، لأننا نرى في ذلك مخالفة للسمت الإسلامي العام على مدى التاريخ الذي انساح فيه المسلمون الدعاة المجاهدون في مشارق الأرض ومغاربها، يُبشِّرون بنور الدين الحنيف ، فثوى منهم مَنْ ثوى ودُفِنَ حيث فاضت روحه أو ارتقى من استُشْهِد منهم فوُورِيَ حيث صُرِعَ، دفاعاً عن عقيدة الإسلام، فيكون الجميع للأرض التي قُبِروا فيها تزكيةً وطهوراً، وأَرَجاً عاطراً يفوح في كلّ أرجائها .

 والأهم من ذلك، أنّ هذا العمل مناقضٌ للسُّنّة النبوية، إذ الهَدْي فيها ، أنّ الموتى، ولاسيما الشهداء لا يُنقلون من أماكن قتلهم، بل يدفنون حيث يرتقون شهداء إلى جنات الله ورضوانه . فهذا ابن هشام يذكر في السيرة عن ابن إسحق قوله في شهداء أُحُد : (وكان قد احتمل ناسٌ من المسلمين قتلاهم إلى المدينة فدفنوهم بها، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال : ادفنوهم حيث صُرِعُوا) .

وهذا ابن قيِّم الجوزية في كتابه : (زاد المعاد في هدْي خير العباد) يقول رحمه الله، في قتلى أُحُد : (إنّ السنة في الشهداء أنْ يُدفنوا في مصارعهم ولا يُنقلوا إلى مكان آخر، فإنّ قوماً من الصحابة نقلوا قتلاهم إلى المدينة فنادى مُنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بردِّ القتلى إلى مصارعهم . قال جابر : بينا أنا في النظارة، إذ جاءت عمّتي بأبي وخالي عادلتْهُما على ناضح فدخلتْ بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا وجاء رجل يُنادي : ألا إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أمركم أن ترجعوا بالقتلى، فتدفنوها في مصارعها حيث قُتِلَت . قال : فرجعنا بهما فدفنّاهما في القتلى حيث قُتِلا) .

وفي هذا الموضوع يقول سيد سابق في كتابه (فقه السنة)، رحمه الله : (يحرم عند الشافعية نقل الميِّت من بلد إلى بلد، إلاّ أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس لشرفها، ولو أوصى المتوفَّى بنقله إلى غيرها لا تُنفَّذ وصيَّتُه ، وتقول المالكية لا يجوز نقل الميّت من مكان إلى مكان آخر قبل الدَّفن وبعده إلا لمصلحة كأنْ يُخاف عليه أن يجرفه البحر أو يأكله السّبع . أما الحنابلة فيقولون : يُستحبُّ دفن الشهيد حيث قُتِل ، وأما الأحناف فيقولون : بكراهية نقله) . وإذا كان التحريم أو المنع أو الكراهة على أقل تقدير تنصرف إلى الميّت العادي فإنّه بالنسبة للشهيد بعدم النقل أوكدُ .

وإذا كان بعض العلماء يقولون بجواز النقل إذا خِيف على الميِّت من بحر يجرفه أو سبع يأكله أو أنْ يكون لم يُغسل، فإنَّ شهداءنا في القدس مَنْ نُقِلوا سابقاً أو لا حقاً ليس عليهم من هذه الأمور شيءٌ، إضافة إلى أنّ الشهيد في الإسلام يُكفَّن ويُدفن في ثيابه ولا يُغسَّل إكراماً له وتعظيماً لمنزلته عند الله . هذا مع حُرمة نبش القبر بعد الدفن حتى إنّ مَنْ يقول بجواز النقل لخوف عليه ، يشترط ألاّ يُكسر عظمه ، ذلك لأنّ حرمة كسر عظم المسلم ميتاً كحرمة كسره حيّاً . هذا مع أنّ هؤلاء الشهداء الذين نُقِلوا ليسوا إلاّ رُفاتاً (عِظاماً مُحطّمة) بعضها معروف صاحبه وأكثرها غير معروف .

وإذا كان بعض الفقهاء يقول بجواز النقل إذا أوصى المتوفّى أنْ يُدفن في إحدى هذه المدن الثلاث : مكّة أو المدينة أو بيت المقدس، فإنّ المفارقة العجيبة تبدو هنا – وقد دفن هؤلاء الشهداء الكرام في إحدى هذه المدن الشريفة وهي بيت المقدس، فكان ذلك تكريماً لهم على تكريم – أن يُنقلوا منها ولم يُؤثر عن أحدهم وصية بذلك، بل الأمر هنا معكوس ولعله انتقاص لحق هؤلاء، إذ نُقِلوا من راجح في البركة إلى مرجوح حتى لو أوصوا بذلك لا يُستجاب لوصيّتهم، لأنها حينئذ من أسمى إلى أدنى .

إننا ما زلنا نذكر أن من أسباب قُدسية فلسطين عامة وبيت المقدس خاصة أنها مدفنُ المئات من الصحابة رضوان الله عليهم، فليكن شهداؤنا على أسوارها في هذا العصر إحدى هذه الأسباب إضافة إلى مَنْ سبقوا، إنهم هناك منارات إيمان وشواهد صدق وشارات إباء، وإنّهم لأحد المعالم على طريق التحرير القادم . فهذا أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه يسير في جيش يزيد لفتح القسطنطينية، ويلح على إخوانه أن يحملوه إلى أقرب نقطة من حدود الروم ليثوى هناك فيكون جَدَثه شاهداً على عظيم همة المسلمين وحبهم للفتح وقتالهم لأعداء الله وتحقيق نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح هذه المدينة العظمى . وعلى الرغم من أنه مات تحت أسوارها ولمّا تُفتح ودُفن هناك، فإنّنا لم نسمع أن المسلمين خلفاء أو علماء حتى مع الخوف على قبره عندما كان يعتدي عليه الروم، أنْ طالب أحد منهم بنقل جثمانه إلى الحجاز أو عمل عليه أو قال به وبقي رضي الله عنه هناك سلفاً لخلفٍ أتى بعده ففتحها وهزم أعداء الله .

كنا ننتظر من مشيخة افتائنا الأجلاّء أن يكون لهم – وهم على علم بذلك وحضور – موقف في هذا الشأن، فيُبيِّنوا للناس الحكم الشرعي فيه أو الأسباب الموجبة له إنْ كان هنالك أسباب ، وأن يكون جوهر الدين وصفحات التاريخ الإسلامي وعظمة الجهاد والفتح ووجوب قتال الغزاة هي الملابسة لخواطرهم قبل أي شيء آخر ، وهم يقفون مواقفهم من أية مسألة . أم تُرى أن وراء الأكمة ما وراءها، وأنه يُراد تفريغ الأرض المحتلة من شهدائنا الأطهار ليخلو وجهُها لبني صهيون الكفار ؟!

وإنني بهذه المناسبة وفي ختام مقالتي لأُحيِّي شهداءنا في فلسطين قديماً وحديثاً وشهداء أبنائها وغيرهم . فجثامينهم سواء أكانت هنا أم هناك عِزٌّ لأي أرض يَحلُّون بها وشرف، فهم ملحها وطهورها . وإنه ليُخايل لخاطري وأنا في نهاية كلمتي هذه أبيات شوقي رحمه الله التي رأى أن رُفات الشهيد عمر المختار المنصوبة في بُرقة حيث قضى، ستبقى تُذكِّر الأجيال القادمة من أبناء المسلمين في ليبيا وغيرها بظلم الطليان والعمل على الأخذ بالثأر منهم :

 

نَصَبوا رُفاتَك في الرمال لواء

                                يستنهضُ الوادي صبـاح مساءَ

يا ويحهم نَصبوا مناراً مِنْ دَمٍ

                                يوحي إلى جيلِ الغدِ البغضاءَ

ما ضرَّ لو جعلوا العلاقة في غدٍ

                                بين الشعوب مودّةً وإخــــــــــــاءَ

جُرْحٌ يصيحُ على المدى وضحيّةٌ

                                 تتلمّسُ الحريةَ الحــمـــــــــراءَ

 

وتحياتي كرّةً أخرى إلى الشهداء الثلاثة وإلى القدس وإلى صور باهر التي نُقل منها رفاتهم، إذ أنّ لها في النفس علوقاً شديداً ومحبةً غامرةً وعشقاً عريقاً، لأنّها بلد المجاهدين من مختلف أقطار العرب عساكر ومتطوعين شعبيين ولاسيما من كتائب الإخوان المسلمين من مصر وسورية والأردن ...