24.99°القدس
24.69°رام الله
23.86°الخليل
26.98°غزة
24.99° القدس
رام الله24.69°
الخليل23.86°
غزة26.98°
الإثنين 30 سبتمبر 2024
4.99جنيه إسترليني
5.27دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.17يورو
3.73دولار أمريكي
جنيه إسترليني4.99
دينار أردني5.27
جنيه مصري0.08
يورو4.17
دولار أمريكي3.73

الكنز المفقود

78
78
مدونة مرفأ الأمل

عُدتُ إلى ذات المكان بعد انقضاء الأيام وتعاقب السنوات ، عُدت إليه لأنه كان يُمدني بكثير من الطاقة والعزم ، إنه موطن الكتب ومكتنز العلم ، في جنباته تسطر الكتب روائع العقل البشري من علوم وأدب وفلسفة وبين أروقته كنت أرى طالبات العلم وقد أقبلن في تواضع ليقتنين مفاتيح البحث العلمي ، تبحر كل واحدة في المجال الذي تهواه ، تطارد فكرة أو نظرية تحاول إثباتها أو توسعتها ، كان كل يوم يمضي كومضة ، فسعادة العلم والتلقي تلقي على أرواحنا اعتزازا وبهجة وطاقة كبيرة لو قُسمت على أهل الأرض لكفتهم ، كنا نتواصى على العطاء والارتقاء ، لم يكن عملنا المشترك في بحث ما سببا للتكاسل ، بل على العكس كنا نحاول أن نكمل بعضنا البعض ، وحينما نستعير الكتب كنا نحافظ عليها ونعتني بها حتى تبقى مفيدة لغيرنا ، كنا ندرك قيمة المال العام وأن ما بين أيدينا من فائدة لا بد أن يكون فيها للآخرين نصيب ، جولاتنا في المكتبة تنقلنا إلى أفق متسع نهفو فيه إلى التمييز ، فبين الموسوعات والكتب والدوريات والمصادر ، وحتى المواد الصوتية والمرئية كنا نلتمس طريقنا إليها فننعش الأفكار بالإعمال والتقصي والممارسة ، والمعلومات التي كنا ننسجها داخل بحثنا نسعى إلى إثباتها وتحقيق نسبتها ، وفي هذا الجهد كان تعبنا هينا لأننا كنا نلقى لذة في التحدي والمثابرة ..والنتيجة التي نتلقاها على بحثنا تفرحنا وتشد من سيرنا لنعود فنبحر من جديد …

لكل ما ذكرت عُدت لمكتبة الجامعة ، ولكن حالها تغير اليوم ، نعم زاد عدد الكتب وتطورت المكتبة كثيرا عن ذي قبل ، ولكن تعامل فتيات اليوم مع المكتبة كان شيئا مختلفا ، فالمكتبة تلاشى الهدوء فيها ، فأمست مساحة فوضوية وكأنها سوق ،وكأنها كنز مفقود آل لمن لايدرك قيمتة ولا يعي وزنة ،  لقد آلمني ما رأيت من تبلد الشعور وخواء الأفكار ، وآلمني أن أرى الفتيات وقد توافدن للمكتبة بغية التلاقي والأنس بالصحب ، حيث كان الكتاب آخر همومهن ،وآلمني أن لا ينسب العلم لأهله وأن يصبح شيئا متداخلا مجهول الهوية ،  فالبشبكة العنكبوتية بإمكانهن نسخ واقتناء الأبحاث الجاهزة دون الخوض في متاهات البحث العلمي ..وكل واحدة لا ترى حرجا في أن تنقل المعلومة من أي مكان دون توثيق ، المهم أن تملأ الأوراق بالأسطر التي لو سٌئلت عنها لما أجابت .

يسؤوني حقا ما آلت إليه طريقة التفكير ، لا أتوقع أن الجميع على هذه الشاكلة ، لكن الأغلبية التي رأيتها اليوم تشي بالكثير ، فكيف السبيل لإعداد أمة تقرأ وتقدر وتحترم ؟ لا زال أمامنا الكثير.