في غزة أن تصاب بالمرض ليست هذه المعاناة بعينها، بل هي حكمة الله وقدرته، إنما المأساة عندما تبحث عن العلاج فلا تجده، فالقطاع الصحي يواجه عجز عن توفير أدنى المستلزمات الطبية للكثير من الأمراض، ويلجأ الأطباء إلى تحويلهم لتلقي العلاج خارج القطاع الغزي إلا أن الحواجز التي يتلقاها هؤلاء المرضى غالباً ما تغلق أبوابها في وجوههم.
على باب غرفة الانتظار في إحدى مستشفيات القطاع، وقف محمد ممسكاً يد والدته عله يختلس من حنانها ولو شيئا بسيطا ليخفف عليه ألمه، منتظرا دوره للدخول إلى الطبيب المختص، وحين اقتربنا من محمد أظهر وجهه الآخر المبتسم وكأنه ليس صاحب هذا الجسم الهزيل الذي سرق صحته المرض اللعين.
وفور سؤالنا عن سبب زيارة محمد للمشفى صرخ وتحولت نبرة صوته حد البكاء، قائلاً "من حقي أتعالج وأتعافى وأطلع ألعب مع أولاد عمي بالحارة " بهذه الصرخات عبّر محمد ابن التسع سنوات، والمصاب بمرض السرطان منذ أشهر بعد حرمانه من تجاوز بوابة معبر رفح للحصول على التشخيص اللازم والعلاج المناسب متأملاً الشفاء.
مسكت والدة محمد ابنها وربتت على كتفيه قائلة "منذ ستة أشهر نأتي كل أسبوع إلى الطبيب هنا، ليكشف الطبيب على صحته، ولكن حالته صعبة جدا فهو بحاجة إلى السفر للخارج لأن الأجهزة الطبية غير متوفرة في غزة، وقمنا بتسجيل اسمه للسفر، ولكن لا زال اسمه في قائمة الانتظار"
بدوره أكد رئيس قسم الأورام بمجمع الشفاء الطبي الدكتور خالد ثابت، أن مرض السرطان يعد المسبب الثاني للوفيات في فلسطين بعد أمراض القلب والأوعية الدموية، موضحا أن علاج هذه الأمراض يحتاج تشخيصاً طبيا غير متوفر في قطاع غزة، حيث يضطر الأطباء لتحويل المريض لتلقي العلاج في الخارج.
والجدير ذكره أن الإحصائيات تشير إلى أن أكثر من 50% من مرضى القطاع ممنوعون من مغادرتها للحصول على العلاج اللازم.
وفي ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها القطاع غلى كافة الأصعدة الصحية والسياسية والخدماتية وكلها إنسانية، لم يستطع المرضى الحصول على تذكرة تأذن لهم أن يكونوا حالةً خاصة تستثنى من المناكفات السياسية، ولكن هذا الخيار لم يكن ولم يعد متاح، وسيبقى المرضى رهتاً لمواعيد علاج قد تأتي بعد أسابيع طويلة أو حتى أشهر، وقد يكون أصحاب تلك التحويلات فارقوا الحياة ووصلت أوضاعهم الصحية إلى المستويات الخطيرة.
