19.75°القدس
19.6°رام الله
18.86°الخليل
24.77°غزة
19.75° القدس
رام الله19.6°
الخليل18.86°
غزة24.77°
الأحد 06 أكتوبر 2024
5جنيه إسترليني
5.38دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.81دولار أمريكي
جنيه إسترليني5
دينار أردني5.38
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.81

وثيقة حماس.. الدولة والنظام السياسي

حازم عياد
حازم عياد
حازم عياد

هل من جديد في وثيقة حماس؟ هل تضمنت مفاجأت تتطلب كل هذا الذم او المدح المبالغ به؟

اسئلة أثارتها النقاشات حول الوثيقة المعلنة في الدوحة؛ فما ورد في الوثيقة جاء ليوثق واقعا تبلور، معبرا عن نفسه غير مرة خلال السنوات الثلاثين الماضية، خصوصا لمن راقب اداء الحركة منذ نشأتها الى الان.

فما ورد في الوثيقة لطالما عُبِّر عنه قولا وفعلا غير مرة من قبل حماس؛ اذ انه لا يتناقض مع اداء الحركة السياسي والعسكري، وتصريحات قادتها وعلى رأسهم خالد مشعل خلال السنوات الثلاثين الماضية.

طريقة التفاعل الى الان لا تبدو مقبولة ومتجانسة لمن راقب اداء الحركة ونشاطها الفكري على مدى السنوات؛ فما ورد في الوثيقة ليس مفاجأة، او حقائق مستجدة كما يروج ويظن البعض، إنما هو حدث متسق يقع في اطار التكيف الايجابي، لا التكيف السلبي في سياق الدراسات المستقبلية الذي يركز على الانماط العامة لحركة المتغيرات في المنطقة العربية، والتفاعل معها، خصوصا في المرحلة الحالية المضربة التي تولد عنها ارهاب وتطرف وحروب اهلية، ليطرح السؤال مرة أخرى: ما الجديد في هذه الوثيقة؟

الجديد من ناحية عملية ونظرية تمثل في توثيق الحقائق العملية والنظرية عبر نصوص، باتت مرجعا لكافة اطر الحركة والعاملين فيها، والمتفاعلين معها من قوى وكيانات سياسية ومدنية واجتماعية على اختلاف انتمائها ومرجعيتها، الى جانب الدول والقوى والكيانات الدولية.

فمفاهيم كالدولة والنظام السياسي والمقاومة والاحتلال باتت رديفا لمفردات منها الديمقراطية والحوار والتعددية، الى جانب مفردات كحركة التحرر والمرجعية الاسلامية والوطنية.

مفردات لم تعد تمثل وجهات نظر فردية، او تصريحات سياسية وبراغماتية، بل باتت منهج عمل موثقًا تتبناه كافة اطر حركة حماس في تعاملاتها الداخلية والخارجية؛ إذ لم تعد مجرد وجهات نظر ومقولات او ممارسات يعبر عنها بين الفينة والاخرى، بلا سند فكري ومنهجي موثق.

وثيقة حماس المعلنة من الدوحة دعت بشكل واضح الى تطوير منظمة التحرير الفلسطينية على اسس ديمقراطية؛ باعتبارها الاطار الوطني الجامع، دعوة جاءت تحت عنوان النظام السياسي، اذ نصت الوثيقة في بندها الـ28 على ان «حماس تؤمن وتتمسك بإدارة علاقاتها الفلسطينية على قاعدة التعددية والخيار الديمقراطي والشراكة الوطنية وقبول الآخر واعتماد الحوار، بما يعزّز وحدة الصف والعمل المشترك، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وتطلّعات الشعب الفلسطيني»، واضعة نفسها في مصاف حركات التحرر والقوى الوطنية، ولكن بمرجعية اسلامية لا تنساق إلى أزمة الاقليم، وتكيفه السلبي مع الضغوط المتراكمة في اعقاب الربيع العربي.

فالديمقراطية تعد جوهر النظام السياسي الفلسطيني كما تراه حماس الذي سيقام على ارض فلسطين المحررة وعاصمتها القدس؛ مفردة واضحة في كل البنود التي تناولت النظام السياسي، والتي شملت كافة مكونات الشعب الفلسطيني دون تمييز بين افراد المجتمع

وبذلك فإن الحركة حسمت الموقف من شكل النظام السياسي، وآليات عمله، وغايات وجوده في تمثيل الشعب الفلسطيني، دون تمييز لخدمة وادارة مصالح الشعب الفلسطيني، متجاوزة ازمة الاقليم وصراعاته الداخلية؛ نهج يشمل كافة الاطر والكيانات السياسية والاجتماعية والمدنية، ومن ضمنها منظمة التحرير كإطار وطني يجمع في صفوفة اللاجئين والشتات.

من ناحية اخرى، تميزت الوثيقة بالإشارة الى القبول بإقامة دولة فلسطينية على اراضي الـ 67، دون التخلي عن فلسطين التاريخية، او حق العودة؛ مسألة جاءت في سياق تعريف طبيعة المحتل الذي يعد من بقايا الحقبة الاستعمارية الغربية؛ لا باعتباره صراعا دينيا بل صراع مع محتل ومستعمر؛ نضال مستمر يمتد الى كافة الاراضي المحتلة بما فيها ارضي الـ 48؛ توصيف دفع الحكومة الصهيونية والمسؤولين والقادة على رأسهم نتنياهو الى القول بأن «حماس تريد ان تخدع العالم فوثيقتها عبارة عن استراتيجية حرب وليست استراتيجية سلام»؛ وبمعنى آخر استراتيجية تحرر وطني من الاستعمار والاحتلال، وليست استراتيجية استسلام وتفاوض لا نهائي يتنازل فيها المستعمَر للمستعمِر عن ارضه وكرامته، فالمقاومة نهج لا يتوقف حتى تتم تصفية الاستعمار بالكامل بما يحمله من مقولات عنصرية وإحلالية متطرفه.

الجدل تركز في الساحة الفلسطينية والعربية على بند الدولة الفلسطينية وحدودها سواء كان مدحا او ذما، متجاوزا باقي البنود السياسية التي أكدت ان حماس حركة تحرر وطني جاءت للتعامل مع حقائق فرضها الاستعمار الاوروبي والغربي للمنطقة العربية من خلال المقاومة وتحرير الارض والانسان؛ فحماس حركة تحرر وطني بمرجعية اسلامية، تهدف إلى مقارعة الاحتلال واقامة دولة فلسطينية تعددية بأسس ديمقراطية على كامل ترابة من البحر الى النهر، معبرة عن مصالح الشعب الفلسطيني المقاوم والمحتل، متجاوزة ازمة العالم العربي في التعامل مع الحقائق الفكرية والسياسية المرتبطة بعلاقة الدول بمواطنيها.

فالوثيقة نص يؤكد تحقيق العدالة والديمقراطية والاستقلال لشعب محتل دون الخوض او الانخراط في ازمات الاقليم والمنطقة العربية التي تحولت في بعض فصولها الى حروب اهلية وصراعات سياسية وقوى متطرفة تتصارع فيما بينها.

بنود الوثيقة تعد توثيقا لحقائق رسخت على الارض طوال الاعوام الثلاثين الماضية من تاريخ تأسيس حركة حماس، ولا تحتمل الكثير من اللغط؛ اذ يجب التعامل معها في اطار سياقها الطبيعي الممثل بالتطوير والتجديد لسياستها ونهجها؛ ابرز ما فيه توثيق الحقائق الممارسة التي باتت واقعا في حياة الحركة وعلاقاتها الداخلية والعربية، والدولية ورؤيتها السياسية، بعيدا عن الصراعات الايدولوجية، خصوصا في العالم العربي.

وثيقة تعكس حجم النضوج السياسي والفكري لدى الحركة، والتي عُبر عنه اكثر من مرة من قبل قادة الحركة، ابرزها لقاء صحيفة السبيل مع خالد مشعل في 2010 في مقر اقامته في دمشق حينها.

حقائق باتت نصا تتبناه الحركة في كافة اطرها، ولم تعد مجرد وجهة نظر شخصية او ممارسة عملية، مضفيا عليها بُعدًا سياسيا مهمًا في مرحلة اتسمت بتحولات سياسية كبرى في المنطقة، فرضت ضغوطًا هائلة على البنى الفكرية والكيانات السياسية، اعقبت الربيع العربي وما طرحته من تساؤلات حول طبيعة الصراع والنظم السياسية، وموقع حركة حماس في التحولات الكبرى في العالم العربي والتي باتت اشكالا خطيرا يهدد استقرار الاقليمي، وقدرة المنطقة وشعوبها وانظمتها والكيانات السياسية المدنية والعسكرية على التكيف الايجابي لصالح تكيف سلبي قاد المنطقة الى مزيد من التطرف والتفكك والانهيار.