ليل الضفة الغربية كنهارها؛ فالمواجهات امتدت الى ساعات متأخرة من ليل يوم اول امس الاحد لتشمل قرى نابلس وطولكرم ورام الله. في حين لم تتوقف ماكينة الاحتلال عن القيام بدورها القمعي من مداهمات ليلية في مختلف محافظات الضفة الغربية؛ فالاضراب والعصيان المدني يتوسع في الشارع الفلسطيي تضامنا مع الاسرى متحولا الى نشاط يومي.
اكثر من خمسة شهداء قائمة ضمت الرجال والنساء اطفال وشباب حصيلة الجولة الاولى من المواجهات المتدرجة، والجرحى والمعتقلون باتوا بالمئات؛ معركة فجرها الاسرى بإضرابهم ومطالبهم العادلة، لتتماهى مع غضب كبير في الشارع واحتقان كان ينتظر الفرصة ليعبر عن نفسه عبر برنامج مقاومة وتحرر، ليترجم الى فعل مقاوم ميداني بعيدا عن ترهات المفاوضات العبثية والحلول الهزيلة؛ امر بات مرشحا للتصاعد مع قدوم شهر رمضان المبارك.
توصيف ميداني للاحداث في الضفة الغربية لم يقف قطاع غزة بعيدا عنه في ظل الحصار المشدد تفجر ملف ازمة الرواتب؛ فالمواجهة تأخذ طابعا تصعيديا متدرجا يغذيها الاجراءات القمعية للاحتلال والقصور الموضوعي والذاتي للسلطة؛ ازمة امتد تأثيرها الى الشتات واماكن اللجوء الفلسطيني غذتها الاستفزازات الصهيونية المترافقة مع احياء ذكر النكبة لتبلغ احدى حالة الذروة باستعراض وزيرة ما يسمى الثقافية في الكيان الصهيوني زيا موشحا بألوان وصور المسجد الاقصى ومدينة القدس في مهرجان كان السينمائي.
الشتات الفلسطيني لم يغب عن المواجهة ومساحة الاشتباك آخذة في الاتساع لتشمل كل الزوايا السياسية والثقافية والجغرافية؛ فالاستفزازات الصهيونية تغذي المواجهة وتشعلها وتزيد من حجم التعبئة في الشارع الفلسطيني في الاراضي المحتلة واماكن اللجوء والشتات؛ فملف الاسرى واحد من مئات الملفات المشتعلة مع الكيان الاسرائيلي التي باتت تحتاج الى صاعق ليطلق شحنة كبيرة من الغضب والمقاومة.
فحال الضفة الغربية متأرجح منذ خمس سنوات بين المواجهة والتهدئة؛ بين الهبات الشعبية والانتفاضات المصغرة التي اختبرت قدرات الشعب الفلسطيني، ومكنته من تطوير ادائه في اختبارات ومناورات وبروفات شبه سنوية وشهرية لتصبح شبه اسبوعية تتصاعد تارة، وتخبو اخرى؛ استعدادا لمواجهة شاملة اخذت طابعا متدرجا ومتصاعدا؛ فالتحولات كبيرة في البنية والتفكير لدى المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية طورت آليات جديدة وتكتيكات غير مألوفة في اعقاب الاعتداءات المتكررة على المسجد الاقصى.
المقاومة باتت مطلبا شعبيا ووطنيا وامرا مقبولا في ظل حالة الانسداد والتردي السياسي الذي تعيشه المنطقة العاجزة عن الدفاع عن نفسها، فكيف الحال بحقوق الشعب الفلسطيني الذي استمر بالمقاومة في ظروف أسوأ من القائمة حاليا؛ فالمقاومة نقيض العجز؛ والمضاد الحيوي والموضوعي لمرض العجز والاستسلام وحالة الضعف والاستكانة؛ فكلما ازداد الضعف العربي اشتدت المقاومة الفلسطينية وازدادت عنفوانا.
الفعل ورد الفعل يشير بوضوح الى ان الاحتلال بطبيعة مندفع وراء غرور ووهم الانتصار الذي عجز عن ترجمته نتيجة الفعل المقاوم، وتعزز بفعل حالة التردي العربي مؤخرا؛ فكل فعل له رد فعل، والغرور والاستعلاء تقابله المقاومة التي احدثت تحولات مهمة في بنية المجتمع الفلسطيني وتكتيكاته خلال السنوات الخمس الماضية سواء في مناطق الشتات واللجوء او في الضفة الغربية؛ اذ راكمت الكثير من الخبرات للتعامل مع الظروف المعقدة في المحتلة والاقليم الملتهب؛ مهيئة الظروف لبروز نخب ومؤسسات غير تقليدية للتعامل مع هذه المتغيرات المعقدة؛ امر من الممكن ان يقود الى تطوير فاعلية المقاومة وزيادة من فرص نجاحها وديمومتها مستقبلا؛ فالديمومة والتراكم سمة اساسية ودلالة موضوعية تفرض نفسها يوما بعد يوم.
