20.8°القدس
20.54°رام الله
19.42°الخليل
25.07°غزة
20.8° القدس
رام الله20.54°
الخليل19.42°
غزة25.07°
السبت 05 أكتوبر 2024
5.01جنيه إسترليني
5.39دينار أردني
0.08جنيه مصري
4.19يورو
3.82دولار أمريكي
جنيه إسترليني5.01
دينار أردني5.39
جنيه مصري0.08
يورو4.19
دولار أمريكي3.82

الأسرى من لهم؟!

علي العتوم
علي العتوم
علي العتوم

               الأسرى هم أحرار الأمّة ورجالها الأشاوس المدافعون عن حياضها بأرواحهم وأجسادهم، إباءً منهم أن تقتحم أو أن  تنتهك حرماتها، ولولا ذلك ما حنِقَتْ عليهم (إسرائيل) وما زجّتهم بسجونها، وضيّقت عليهم في كلّ شيء من أسباب الحياة : الحريّة والنّور والهواء والدّواء والاجتماع والاتصال بالعالم الخارجي .

            وأنا أتكلّم هنا عن أسرى فلسطين خاصّة . أولئك الأبطال الذين رفضوا بكلّ أنفةٍ وشمم أن يقرّوا لليهود اغتصابهم لأرض الآباء والأجداد الذين توارثوها عنهم منذ مئات السّنين، بل آلافها على الرّغم من أنّ الكثيرين من أبناء جلدتهم في فلسطين نفسها من النّخب أو الزّعماء أو ذوي المال والإمكانيّات الوفيرة، أعطوا بأيديهم لليهود يستجدون صلحهم الرّخيص، ولا يحرّكون ساكناً تُجاه أولئك الليوث المقيّدة في آجامها، بل قد يعدّونهم من المشاغبين الذين يعكّرون عليهم صفو العلاقة الدّنسة بينهم وبين الغاصبين .

            إنّ الأسرى الفلسطينيين الذين يعدّون بالآلاف في شتّى أنحاء فلسطين مزجوجين في سجون الاحتلال البغيض التي تنيّف على العشرين كشطّة وعسقلان ونفحة والنّقب والجلمة وأيلون ومجدّو وهداريم والسّبع ونيتسان يعيشون منذ سنوات عديدة قد يصل بعضها إلى ما يقرب من ثلاثين عاماً حياةً عسيرةً تدل على شدّة خبث سجّانيهم ولؤمهم وحقدهم الدّفين وعدائهم المكين لأبناء هذه الأمّة المنافحين عن ثرى بلادهم الطّهور.

            وإذا كان هؤلاء الأسود قد وقعوا في أسر العدوّ الغاصب وهم يرفعون راية الحريّة، ليدلّوا على عظم هذا الشّعب الذي ينتمون إليه مع قلّة الإمكانيات وتخاذل إن لم يكن تآمر من يملك القدرات المتعددة، ولا سيّما من هم في الحكم، إذ أنّ على هؤلاء الحكّام ألاّ يتركوا ظهور أسراهم مكشوفةً ولا حال أسرهم مضعوفة . نعم إنّ عليهم أن ينهضوا ليعملوا بكلّ وسيلة للاحتجاج على سجّانيهم، ومن ثمّ السّعي لتحريرهم من قبضة آسريهم اللئام، بل العمل على أن يثأروا لهم منهم، وإلاّ فعلى من هم يحكمون ؟! ولولا رعاياهم من الأسرى وغيرهم لما كانوا يوماً حكّاماً، وهو ما يقتضيه العقد الاجتماعي بين الرّعاة والرّعايا الذي تقول به القوانين الأرضية والسّماوية على السّواء.

            إنّ الأسرى في ديننا وتاريخنا فئة من الأمّة مقدّرة، انتصاراً لهم ورعايةً لحقوقهم، وحرصاً على أن لا يبقوا في قبضة العدوّ . فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول يوماً وهو جالسٌ مع أصحابه بعد الهجرة – وقد تخلّف عنه بعض المسلمين لحبس قريش لهم عن اللحاق به كالوليد بن الوليد بن المغيرة، رضي الله عنه، وقد أرّقه أن يبقى في قبضة المشركين يؤذونه – : من لي بالوليد ؟! فنهض أحدهم لتوّه وذهب إلى مكّة يقتحم على الوليد معتقله ويخرجه منه، ويعود به إلى المدينة، فتقرّ بذلك عين القائد صلى الله عليه وسلّم وعيون أصحابه إخوان الوليد رضي الله عنهم .

            وهذا الصّحابي الجليل عبد الله بن حذافة السّهمي عندما أُسر في بلاد الرّوم يوماً إثر قتالٍ معهم، وقد أسر معه ثمانون من إخوانه من أفراد الجيش المسلم، رفض عروض القيصر على شدّة إغرائها، لأنّها تمسّ دينه، ولم يقبل منه – وقد عفا عنه القيصر لتقبيله رأسه – إلاّ أن يخرج له إخوانه الأسرى الثمانين من محبسه مطلقي السّراح محرّرين . وهذا كتاب الله عزّوجل يجعل من صفات المؤمنين الكرام أن يحسنوا إلى الأسير، فيقول: (ويطعمون الطّعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا) . وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يندب في أحاديثه فكاك العاني وهو الأسير نصرةً له من جهة وإباءً أن يبقى في أيدي عدوّه من جهة أخرى .

            ومن القيم الخلقيّة ومعالم السّياسة السّامية في الإسلام الإحسان إلى الأسرى والمنّ عليهم مقابل نفعٍ يقدّمونه للمجتمع المسلم أو رجاء إسلامهم . فهاهو – صلى الله عليه وسلّم – يحسن إلى أسرى بدر ويفكّهم مقابل مالٍ دفعوه أو لقاء تعليم الواحد منهم عشرةً من صبيان المدينة الكتابةَ . وها هو يمنّ على أربعين من أسرى غزوة الحديبية  تبياناً لحسن التّعامل مع هذا الصّنف من النّاس، وطمعاً بإسلامهم . ولعلّهم أسلموا فيما بعد جميعاً أو بعضهم . وقد كان منهم عكرمة بن أبي جهل الذي أسلم وحسن إسلامه . ولعلّ من هذا القبيل ما يشير إليه قوله تعالى: (يا أيّها النّبي قل لمن في أيديكم من الأسرى : إن يعلم الله في قلوبكم خيراً، يؤتكم خيراً مما أخذ منكم). ولعلّ من هؤلاء من أسلم فيما بعد، ومنهم العبّاس بن عبد المطّلب رضي الله عنه .

إنّ إخواننا الأسرى في سجون الاحتلال يعاملون معاملة لئيمة قاسية، لأنّ آسريهم غلاظ القلوب قساتها، بل هي أشدّ قسوة من الحجارة الصّماء كما وصفها القرآن الكريم. وإزاء ذلك قاموا منذ ما يقرب من أربعين يوماً يعلنون الإضراب عن الطّعام، وذلك بعدد ألف وخمسمئة منهم في سجونٍ متعدّدة كما أشرت من قبل، وهم ماضون على ذلك بكلّ صبرٍ وتصميم، حتّى تتحقّق مطالبهم، ولكنّ العدوّ الحاقد لم يُصِخْ إلى ذلك، محاولاً فكّ إضرابهم، إضراب الحريّة والكرامة بوسائل شتّى خبيثة من اختراق صفّهم أو تغذيتهم بالإكراه أو نشر الشائعات الكاذبة عن فكّهم إضرابهم، مع أنّ المطالب التي ينادون بها حقوقٌ طبيعيّة لهم من مثل : الامتناع عن الحبس الانفرادي والاعتقال الإداري، ومطالبتهم بتركيب هواتف عامّة لهم ليتكلّموا بها مع أهلهم وتحسين أوضاعهم الصّحية وما إلى ذلك .

            ولقد أثار إضرابهم المشروع وعدم استجابة العدو لطلباتهم نخوة إخوانهم العرب والمسلمين، ولاسيّما في فلسطين بشتّى نواحيها، فقاموا يعلنون الوقوف بجانبهم وتأييدهم منذ أن أعلنوا إضرابهم، وذلك بمسيراتٍ واعتصاماتٍ ومظاهراتٍ ومؤتمرات صحفيّة وإقامة حواجز على الطّرقات وحرق الإطارات ضغطاً على هذا العدوّ الغادر ليتراجع عن عناده، ولكنّه يأبى عليه إجرامه إلاّ أن يتصدّى لهؤلاء الشّبان بالحديد والنّار بأشكالٍ متعدّدة، غير أنّ هذا الشّباب ماضٍ في احتجاجاته رغم كلّ إيذاءات العدو ومكابراته وبوسائل متعدّدة ومستمرّة حتى تتحقّق مطالب الأسرى بعون الله .

            وإنّني لأهيب بشعوب الأمّة الإسلاميّة من عربٍ وعجم وبقادتها أصحاب الإمكانيّات الهائلة أن يرتفعوا إلى مستوى مسؤوليّاتهم فيتّخذوا من الوسائل وهي عندهم عديدة ما يضغط على هذا العدوّ المجرم كي يتخلّى عن عناده وتعنّته وقسوته وتجبّره، فيستجيب لمطالب إخوانهم الأسرى، وإلاّ أثبتوا على أنفسهم الخور والخذلان، بل أشد آيات الخزي والعار، فإخوانهم الأسرى أشدّاء كرام وأباة جرءاء، لا يخشون موتاً ولا يخافون عدوّاً، ولكنّه العتب على إخوانهم المسؤولين في بلاد العرب والمسلمين . وكأنّهم يقولون لهؤلاء الحكّام، ما قاله أبو فراس لسيف الدولة  وهو في سجن الرّوم:

وما الأَسْر مِمّا ضِقْتُ ذَرْعاً بِحَمْلِه

                        وما الخَطْبُ مِمّا أَنْ أَقولَ لَه : قَدِ

ولكِنَّني أَخْتارُ مَوْتَ بَنِي أَبِي

                        عَلى صَهَوات الخَيل غَيْرَ مُوَسَّدِ

أقَلِّبُ طَرْفِي بَيْنَ خِلٍّ مُكَبَّلٍ

                        وبَيْنَ صَفِيٍّ بالحَدِيدِ مُصَفَّدِ

دَعَوْتُكَ والأَبْوابُ تُرْتَجُ دوننا

                        فَكنْ خَيْر مَدعوٍّ وأكْرَمَ مُنْجِدِ

فلا كان كلبُ الرّومِ أرءفَ مِنْكُمُ

                        وأَرْغَبَ فِي كَسْبِ الثَّناء المُخلَّدِ

فإن تَفتدونِي تَفْتَدُوا لِعلاكُمُ

                        فَتىً غَيْرَ مَردُودِ اللِّسانِ أو اليَدِ

يُدافِعُ عَنْ أعراضِكم بِلسانه

                        ويَضْرِبُ عَنكُم بالحُسام المُهنَّدِ

وأقول للأسرى جواباً عن تساؤلي في العنوان: إنّ لكم إخوانكم أصحاب الشّهامة من جماهير الأمّة والأحرار من حكامها فإن لم يكونوا فلكم الله، وللمتخاذلين الخسة والشنار.