في أيلول من العام الماضي، تعرض الحاج حسن السمان من مدينة قلقيلية لحادث سير، عانى بسببه من آلام حادة أسفل الظهر.. نظرا لحدوث انزلاق غضروفي ضاغط على العصب والنخاع الشوكي.
حالة جعلته يجد صعوبة بالغة عند القيام بأبسط الأمور كالصلاة وتوفير حاجيات البيت، وحتى المشي.
يقول "لم أكن أنام الليل من شدة الأوجاع.. ومع الوقت لم أعد قادرا على السير وصعود الدرج وقيادة السيارة.. وتفاقم الوضع فلم أعد استطيع أداء الصلاة واقفا.. وطبعا لم أكن قادرا على الركوع والسجود".
ويضيف "ترددت على الدكتور مفيد يعقوب أخصائي الأعصاب.. وبعد أن فحصني عدة مرات وكتب لي أنواعا من الدواء، أبلغني بوجود تقنية جديدة لمعالجة الغضاريف، خاصة في العمود الفقري.. تقوم على استخدام إبرة، بدلا من الخضوع لعملية جراحية قد لا تكون ناجحة تماما، وتستنزف مني وقتا وجهدا طويلا دون فائدة".
وافق السمان الذي ناهز السبعين من عمره على مقترح طبيبه، بالخضوع لعلاج عبر تقنية متطورة لعلاج الغضاريف بدون جراحة.
يقول "ثقتي بالله كبيرة، ثم أن معرفتي بقدرات الطبيب يعقوب، وموافقة ابني الذي يعمل طبيبا أيضا، كلها جعلتني أوافق على الخضوع للتقنية الجديدة".
ثلاثة أيام فقط بعد الخضوع للعلاج، استطاع الحاج السمان أن يعمل في أرضه الزراعية التي وصلها سيرا على الأقدام من منزله.. وكأن شيئا لم يكن.
يختم وعلامات الرضى تعلو وجهه: "أشكر الله تعالى على هذه النعمة. لم أتخيل يوما أن أصل لهذه المرحلة بعد كل تلك المعاناة.. أسير يوميا أكثر من 10 كيلومترات.. أشتري حاجيات البيت، وأحملها من السوق للبيت، أصلي بشكل طبيعي.. الحمد لله".
إبرة وطاقة
التقنية الجديدة وفرها المستشفى الانجيلي العربي بنابلس، بعد مشاركة الدكتور مفيد يعقوب المتخصص بجراحة الأعصاب في العديد من المؤتمرات العلمية العالمية.
يخضع المريض لتخدير موضعي، وتحديد موضع إدخال إبرة في الغضروف، اعتمادا على المعرفة العلمية والتشريحية للعمود الفقري له، بالاستعانة بأجهزة إشعاعية متطورة.
يقول د. يعقوب "الإبرة التي يتم إدخالها للغضروف تحتوي على جهاز حساس قطره أقل من 2 ملم، ومن خلاله يتم إفراغ طاقة يصدرها جهاز خارجي، داخل الغضروف، ما يؤدي إلى إذابته وتصغير حجمه وتبخره".
الإجراء الحالي لا يستغرق أكثر من 30-40 دقيقة، وبعد 5 ساعات يمكن للمريض أن يغادر المستشفى، وأن يمارس عمله في اليوم التالي بدون أي تعقيدات أو خلل، خاصة أن نسبة نجاح هذه التقنية تتراوح ما بين 80-85%.
ويشير يعقوب إلى أن "التقنية يمكن تطبيقها في علاج الغضاريف بالعمود الفقري الصدري والعمود الفقري القطني والرقبة، لكن في المرحلة الحالية لن يتم إدخال علاج غضاريف الرقبة بسبب تعقيدها والحاجة إلى اكتساب مزيد من الخبرة".
فروقات جوهرية
وخلال العقود الماضية، كان المريض الذي يعاني من انزلاقات غضروفية، يخضع لعملية جراحية معقدة. إذ يتم إخضاعه لتخدير كامل، وعمل فتحة في أسفل الظهر، الأمر الذي يجعله غير قادرا على الحركة، لأيام طويلة.
وعن ذلك يشرح د. يعقوب "المريض في الجراحة يمكث بالمستشفى عدة أيام، ويحتاج لفترة نقاهة بالمنزل تمتد لثلاثة شهور، وهناك احتمال بنسبة 10-20% لحصول مضاعفات أو عودة الغضروف، إضافة للمعاناة والألم والتوقف عن العمل".
وفيما يتعلق بتكلفة العلاج بهذه التقنية، أوضح أن تكلفتها لا تختلف عن تكلفة العملية الجراحية، "إذا أخذنا بعين الاعتبار المدة الزمنية السريعة للشفاء".
حاجة المجتمع
حاجة المجتمع لمثل هذه العلاجات النوعية، ووجود أطباء ذو كفاءة، دفع إدارة المستشفى لتبني الفكرة، وهو ما يؤكده د. وليد القرة، مدير عام المستشفى الإنجيلي العربي في نابلس.
يقول "نريد أن نتنافس مع بقية المستشفيات في تقديم الخدمة الأفضل للمواطن الفلسطيني.. نتنافس لصالحه، ولصالح تخفيف الأعباء عن كاهل المجتمع ككل".
ويضيف "هناك خدمات نوعية تقدم لمرضى القلب والكلى وغيرها من التخصصات في بقية المستشفيات الخاصة والأهلية والخيرية.. لذلك بحثنا عن تخصص يحتاجه المجتمع.. وعندما تقدم لنا د. مفيد بالفكرة، ودرسناها من جميع جوانبها، وأدركنا أهميتها البالغة، ودورها في استرداد المريض لصحته بالسرعة الممكنة.. وافقنا على إدخالها للمستشفى".
وعبر القرة عن اعتقاده بأن هذه التقنية في طريقها لتحل محل العملية التقليدية خلال سنوات قليلة، خاصة أن خمسة مرضى خضعوا للعلاج بواسطتها كانت نتائجهم ممتازة.